لا دفاعا عن الالباني فحسب بل دفاعا عن السلفية

الرد على الجهمي المعطل حسن السقاف

بسم الله الرحمن الرحيم

نتابع الردود على الجهمي المعطل حسن السقاف.

الجزء الواحد والثلاثون

معنى قول أهل السنة والجماعة :
[ إن الله في السماء ]

وإثبات أهل السنة لصفة العلو ، واحتجاجهم بحديث الجارية على أن الله في السماء ، ليس معناه إثبات الحلول له ، تعالى عن ذلك عز وجل ، وإنما عنوا بـ ((في)) أي: ((على)) . وليس هذا تأويلاً كما ادعى السقاف ، بل له نظائر في القرآن الكريم : قال تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي : على جذوع النخل .

قال شيخنا العلامة المحدث المفيد عبدالله بن يوسف الجديع حفظه الله قي تعليقه المُنيف على كتاب (( ذكر الاعتقاد ، وذم الاختلاف )) لأبي العلاء بن العطار – رحمه الله – (ص:30) : (( الحق أن الله تعالى له جهة العلو ، وأنه مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، وقول من قال من السلف والأئمة : إن الله في السماء إنما أراد حكاية القرآن : { أأمنتم من في السماء } وما ورد في حديث الجارية ونحو ذلك ، وليس معنى ذلك عندهم على الظرفية ، بل إن نصوص الفوقية والاستواء والعلو مفسرة ، لكون ( في ) بمعنى على ، وذلك نظير قوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } )) . قلت : وهذا يؤيده ما ذكره الذهبي في (( الأربعين في صفات رب العالمين ))(ص:87) حيث قال : (( ورد أنه – عز وجل – في السماء ، و ( في ) ترد كثيراً بمعنى ( على ) ، كقوله تعالى : { فسيحوا في الأرض } {التوبة :2} . أي : على الأرض . { ولأصلبنكم في جذوع النخل } {طه : 71} . أي على جذوع النخل ، فكذلك قوله : { أأمنتم من في السماء } {الملك :16} . أي : من على السماء )) .


الجزء الثاني والثلاثون

الكلام على حديث [ فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد]
وبيان تدليسات السقاف وتلبيساته في تضعيفه له

ومن تدليسات وتلبيسات السقاف ذلك الجزء الذي ألفه في تضعيف حديث : (( فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد )) ، والذي سماه : (( أقوال الحفاظ المنثورة لبيان وضع رأيت ربي في أحسن صورة )) . وقد سلك فيه مسلكاً ينافي الأمانة والعدل في القول بل كلامه في هذا الجزء يدل على جهله بعلوم الحديث ، ولا سيما تخريج الأحاديث ، وجمع الطرق .

قال السقاف في مطلع رسالته هذه – وهي مطبوعة مع (( دفع شبه التشبيه )) ( ص : 281 ) : ( حديث : رأيت ربي تبارك وتعالى في احسن صورة ، قال فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قال : قلت لا أعلم أي ربي ، قال : فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماوات والأرض ، ثم قال : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قلت : في الكفارات ، قال : وما هذه ؟ قلت : المشي إلى الجماعات ، والجلوس في المساجد وانتظار الصلاة ، وإسباغ الوضوء على المكاره ، قال : فمن يفعل ذلك يعيش بخير ، ويموت بخير ، ويكون من خطيئته كيوم ولدته أمه . قلت : هذا الحديث لا يثبت من ناحية سنده ومتنه من وجوه : الأول : رواه الترمذي في سننه ( 5 / 366 ) وحسنه ، والخطيب البغدادي في تاريخه ( 8 / 152 ) وابن الجوزي في الموضوعات 10 / 125 ) والطبراني في (( الكبير )) ( 1 / 317 ) وأورده الحافظ السيوط في كتابه اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوة ( 1 / 31 ) وذكر أن في سنده حماد بن سلمه ، وقد روي الحديث عن حماد بلفظ آخر كما قال السيوطي في اللآلئ المصنوعة ( 1 / 31 ) ذكر هذا اللفظ الذهبي في الميزان وابن عدي في (( الكامل في الضعفاء )) . قلت : أورد الذهبي صدر الحديث الذي نحن بصدده والذي اضطرب فيه الرواة وما جوا اضطراباً عجيباً في كتابه القيم (( سير أعلام النبلاء )) ( 10 / 113 – 114 ) من طريق حماد هذا ، وقال : وهو بتمامة في تأليف البيهقي ، وهو خبر منكر نسأل الله السلامة في الدين . ا . هـ . قلت : الإمام الحافظ البيهقي قال في كتابه الأسماء والصفات ( ص : 300 بتحقيق المحدث الكوثري ) : وقد روي من وجه آخر وكلها ضعيف . ا هـ . * قلت : هذا تصريح من البيهقي بضعف طرق هذا الحديث ، وقول الذهبي معه بأنه منكر ، مع إيراد الحافظ السيوطي وابن الجوزي له في الموضوعات يثبت وضعه بلا شك ولا ريب ، كما أن الحافظ ابن خزيمة أطال في رد أحاديث الصورة في كتاب الصفات ) ا.هـ . كلام السقاف .

قلت : والمآخذ على السقاف في هذا الكلام كثيرة ، منها :

أولاً : أنه لما خرج لم يميز بين الطرق وبين رواة الحديث من الصحابة ، ولا بين المتون ، حتى إذا نقل قولاً عن أحد الحفاظ كالذهبي مثلاً في تضعيف الحديث لبس على القارئ بأن الحديث لا يصح من كل الطرق ، وتفصيل الأحاديث كالتالي : الحديث عند الترمذي من رواية : 1 – ابن عياس ، عن النبي . 2 – معاذ بن جبل ، عن النبي . وعند الطبراني : من حديث أبي رافع – - عن النبي . وعند الخطيب : من حديث ابي عبيدة بن الجراح عنه ، عن النبي . وعند ابن الجوزي : من حديث أم الطفيل امرأة عمارة بن عامر ، عن النبي .

ثانياً : أنه لما خرج هذا الحديث من هذه الوجوه ذكر كلاماً للحافظ الذهبي في تضعيف حديث آخر غير هذا الحديث ، وهو الحديث الذي يروى عن حماد ابن سلمة – ولا يحفظ عنه – عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً : (( رأيت ربي جعداً أمرداً عليه حلة خضراء )) . وهذا بخلاف الحديث الذي فيه اختصام الملأ الأعلى .

ثالثاً : أنه لما نقل كلام الذهبي في تضعيف هذه الرواية لم ينقل كلامه بتمامه حتى لا ينكشف تدليسه ، وتمام كلام الذهبي كما في (( السير )) : (( حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : (( رأيت ربي – يعني في المنام - ……. )) وذكر الحديث ، وهو بتمامه في تأليف البيهقي ، وهو خبر منكر ، نسأل الله السلامة في الدين ، فلا هو على شرط البخاري ، ولا مسلم ، ورواته وإن كانوا غير متهمين ، فما هو بمعصومين من الخطأ والنسيان ، فأول الخبر ، قال : (( رأيت ربي )) وما قيد الرؤية بالنوم )) .
فقوله في أول الكلام : (( يعني في المنام )) من إدراج الذهبي نفسه ، فإنها ليست في مصنف البيهقي ، وهذا يدل على أن هذا الخبر غير خبر اختصام الملأ الأعلى ، فإن الثانية كانت رؤيا في المنام . وكذلك فإعلال البيهقي للحديث فللرواية التي فيها وصف الرب تعالى باللفظ المنكر ، ولا يختص بحديث الاختصام .

رابعاً : أنه دلس على القراء فقال : ( كما أن الحافظ ابن خزيمة أطال في رد أحاديث الصورة في كتابه الصفات ) . والجواب عن هذا : أن ابن خزيمة إنما ذكر طرق هذا الحديث بحسب ما وقعت له ، وذكر عللها ، ثم أورد طريقاً صحيحاً ، وأعله بأنه من رواية يحيى بن أبي كثير ، وقال : (( يحيى بن أبي كثير رحمه الله أحد المدلسين ، لم يخبر أنه سمع هذا من زيد بن سلام )) وهذه العلة مردودة كما سوف نبين قريباً إن شاء الله تعالى .

خامساً : أنه ضرب صفحاً عن ذكر الأسانيد الصحيحة لهذا الخبر ، وتصحيح أهل العلم لها ، وهذا مخالف للأمانة العلمية ، وميثاق أهل العلم .


الجزء الثالث والثلاثون

ذكر طريق صحيح لحديث : (( فيم يختصم الملأ الأعلى ))
وتصحيح أحمد والبخاري والترمذي له خلافاً لما أدعاه السقاف

قال السقاف ( ص : 283 – 284 ) – بعد أن أورد كلامه السابق نقله - : ( فإن قال قائل : قد حسن الترمذي الحديث ، بل قد صححه في بعض الروايات عنه ، قلنا هذا لا ينفع لوجوه : منها : أن الترمذي رحمه الله تعالى متساهل في التصحيح والتحسين كما هو مشهور ، مثله مثل الحاكم رحمه الله في (( المستدرك )) يصحح الموضوعات كما هو مشهور عند أهل الحديث . ومنها : أن تضعيف هؤلاء الحفاظ الذين ذكرناهم وهم جهابذة أهل الحديث الذين حكموا على الحديث بأنه منكر وموضوع وغير مقدم على تحسين الترمذي أو تصحيحه . ومنها أن الثابت من كلام الترمذي رحمه الله من نسخ سننه أنه قال : حسن غريب ، كما نقل ذلك عنه الحافظ المزي في تحفه الشراف ( 4 / 382 ) ، والمنذري في الترغيب والترهيب. وقال ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية ( 1 / 34 ) عقب هذا الحديث : أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة ، قال الدارقطني : كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح ) .ا.هـ .

? قلت : الكلام كله الذي ذكره هذا السخاف إنما هو على حديث ابن عباس – ?. فأين رواية عبالرحمن بن عائش ، عن مالك بن يخامر ، عن معاذ بن جبل – ? - قال : احتبس عنا رسول الله ? ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس ، فخرج سريعاً ، فثوب الصلاة ، فصلى رسول الله ? وتجوز في صلاته ، فلما سلم دعا بصوته ، قل لنا : (( على مصافكم كما أنتم )) . ثم انتقل إلينا ثم قال : (( أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة ، إني قمت من الليل ، فتوضأت ، وصليت ما قدر لي ، فنعست في صلاتي حتى استثقلت ، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة ، فقال : يا محمد ، قلت : لبيك رب ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : لا أدري ، قالها ثلاثاً ، قال : فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي ، فتجلى لي كل شيء وعرفت ، فقال يا محمد ، قلت : لبيك رب ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات ، قال : ما هن ؟ قلت : مشي الأقدام إلى الحسنات ، والجلوس في المساجد بعد الصلوات ، وإسباغ الوضوء حين الكريهات ، قال : فيم – وعند أحمد : وما الدرجات ؟ قلت : إطعام الطعام ، ولين الكلام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، قال : سل ، قلت : اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترمني ، وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون ، أسألك حبك ، وحب من يحبك ، وحب عمل يقرب إلى حبك ، قال رسول الله ? : إنها حق فاردسوها ثم تعلموها )) .

اخرجه كثير ، عن زيد بن سلام ، عن أبي سلام ، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي ، أنه حدثه عن مالك الترمذي ( 3235 ) من طريق : جهضم بن عبد الله ، عن يحيى بن أبي بن يخامر السكسكي ، عن معاذ به .

 قلت : وهذا سند رجاله ثقات ، إلا أن رواية يحيى بن أبي كثير عن زيد ابن سلام تكلم بعضهم في اتصالها . ففي (( التهذيب )) : قال يحيى بن حسان ، عن معاوية بن سلام : أخذ مني يحيى بن أبي كثير كتب أخي زيد بن سلام . ولذا قال ابن معين : لم يلقه ، وما أحمد بن حنبل فسأله الأثرم : يحيى سمع من زيد ؟ قال : ما أشبهه . ? قلت : سماعه من زيد بن سلام ثابت ، لا سيما في هذا الحديث . فقد أخرج أحمد هذا الحديث في (( المسند )) ( 5 / 243 ) : ثنا أبو سعيد مولى بن هاشم ، ثنا جهضم يعني اليمامي ، ثنا يحيى يعني ابن أبي كثير ، ثنا زيد به . وهذا سند صحيح محفوظ إلى يحيى .

وقد صحح لهذا الحديث الإمام الترمذي والبخاري . قال الترمذي : (( هذا حديث حسن صحيح ، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : هذا حديث حسن صحيح )) . وكذا هو النقل عنهما في (( تحفة الأشراف )) ، وأما ما نقله السقاف من قول الترمذي (( حسن غريب )) ، فإنما هو في حديث ابن عباس ، وليس في حديث معاذ هذا ثم أقول لهذا السقاف : ألم تر في كتاب المزي (( تحفة الأشراف )) في الموضع الذي أشرت إليه ( 4 / 382 – 383 ) أنت في كتابك قول المزي : (( وقال موسى بن خلف العمي ، عن يحيى ، عن زيد ، عن جده ابي سلام ، عن أبي عبد الرحمن السكسكي مالك بن يخامر ( وتصفحت في التحفة إلى : عن مالك ) عن معاذ بن جبل به . قال أبو أحمد بن عدي : وهذا له طرق ، ورأيت أحمد بن حنبل صحح هذه الرواية التى رواها موسى بن خلف ، عن يحيى بن أبي كثير حديث معاذ بن جبل ، وقال : هذه أصحها )) . فإن ادعى السقاف أن حكم الترمذي على هذا الحديث بالصحة مردود لتساهله ، فما بال تصحيح البخاري له ، وتصحيح الإمام أحمد له كذلك ، هل هما أيضاً موصوفان بالتساهل ؟ !! .

ثم دعواه تلك أن الترمذي متساهل فيها نظر كبير ، ولن أتكلف الرد عليه في ذلك ، بل سوف أحيله على كتاب شيخه عبدالله الصديق الغماري الموسوم بـ: (( الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين )) ( ص : 176 – 181 ) ، ففيه بحث مفحم للسقاف في الرد على من يقول :إن الترمذي لا يعول على تصحيحه ، وأنه من الموصوفين بالتساهل. ولكتاب شيخه هذا قصة طريفة معي يأتي ذكرها إن شاء الله في الجزء الثالث من هذا الكتاب ، وهو الرد على التناقضات . فالحديث أخي القارئ صحيح ثابت إن شاء الله تعالى ، فالحمد لله على السنة وعلى الأتباع ، ونعوذ به من البدعة والابتداع .


الجزء الرابع والثلاثون

إثبات صفة الساق وصفة اليدين للرب تبارك وتعالى والرد على السقاف في نفيهما عنه

هاتان الصفتان لم تسلما من تعطيل السقاف أيضاً بتأويلهما تارة ، ونفيهما على الحقيقة تارة أخرى ، مع ورود النصوص الشرعية من الكتاب والسنة بإثباتهما على الوجه الذي يليق بالله تبارك و تعالى . وقد قال تعالى في محكم التنزيل : { يوم سكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } { القلم : 42 } .

? وقد مر معنا أن ما نسبه السقاف من تأويل هذه الآية إلى الصحابة وجماعة من السلف لا يصح عنهم كما بيناه بالسانيد والأدلة الدامغة . وورد في تفسير هذه الأية ما أخرجه البخاري ( قتح : 8 / 531 ) من طريق سعيد بن ابي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ? قال : سمعت رسول الله ? يقول : (( يكشف ربنا عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة …. )) . وأما ذلك السقاف ، فحكم على لفظه : (( ساقه )) بالشذوذ، وقوى القول بالتأويل والصرف عن الظاهر ، فقال ( ص : 118 ) حاشية ( 46 ) تعليقاً على ما نقله ابن الجوزي من التأويل المنسوب إلى بعض السلف للآية السابقة : ( وقد ثبت ذلك عن ابن عباس بثلاثة أسانيد صحيحة ، أنظر فتح الباري ( 13 / 428 ) ، ومسند أحمد ( 3 / 17 ) فهكذا أول هذه الاية الصحابة والسلف . وأما الحديث الذي وردت فيه لفظة ( ساقه ) فقد قال الحفاظ في شرحه أن لفظة ( ساقه ) غير محفوظه ، والمحفوظ لفظة ( ساق ) الموافقة للآية القرآنية ، وأما لفظة ( ساق ) فتسوق إلى التجسيم ، هذا معنى كلام الحافظ في (( الفتح )) ولذا نقطع أن هذه اللفظة لم يقلها ? ، ومتى طرأ الاحتمال سقط الاستدلال ، وقد أفاد غالب ما ذكرته هنا الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، ونقله عن الحافظ افسماعيلي ، فليراجع ) .

? قلت : وللجواب عن هذه الترهات المذكورة ، نورد كلام الحافظ في (( الفتح )) تعليقاً على الحديث السابق ( 8 / 532 ) : (( ووقع في هذا الموضع : ( يكشف ربنا عن ساقه ) وهو من رواية سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، فأخرجها الإسماعيلي كذلك ، ثم قال : في قوله ( عن ساقه ) نكرة ، ثم أخرجه من طريق : حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم ، بلفظ : ( يكشف عن ساق ) ، قال الإسماعيلي : هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة ، لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين ، تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شيء))

 فهذا الكلام يدلنا على أن الإسماعيلي قد رجح الرواية دون الهاء الزائدة ، وهي : ( يكشف عن ساق ) ، لموافقتها للقرآن ، ولكن هذا ليس معناه أنه قد نفي هذه الصفة عن الرب جل وعلا ، والأقرب أن الجملة الأخيرة من كلام ابن حجر نفسه ، فإن الإسماعيلي معروف بافثبات ، وقد أثبت اليد وغيرها مما ينفيه أهل التاويل من صفات الرب كما في اعتقاده ، الذي ذكر الذهبي جملة منه في (( السير )) ( 16 / 295 ) .

ثم إن إيراد البخاري له في الصحيح واحتجاجه به ، دلالة على ثبوت هذه المسألة عنده ، ويستبعد أن لا يكون البخاري قد وقف على الرواية الناقصة ، فهو إمام جهبذ متفق على تقدمه وعلو مكانته . والحديث مفسر الأية ولا شك ، فلا وجه للنكارة التي يدعيها السقاف . و غثبات الساق لا يقتضي التشبيه ، لأن الاتفاق في الاسم لا يقتضي الاتفاق في الكيفية . قال محمد بن إسحاق بن منده – رحمه الله – ( 26 ) : (( التمثيل والتشبيه لا يكون إلا بالتحقيق ، ولا يكون باتفاق الأسماء ، وإنما وافق اسم نفس الإنسان الذي سماه الله نفساً منفوسه ، وكذلك سائر الأسماء التى سمى بها خلقه إنما هي مستعارة لخلقه ، منحها عباده للمعرفة …. )) .

? وأما أدلة إثبات اليد لله تعالى :
? فمن الكتاب الكريم : { بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } { المائدة : 64 } . و { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيجي } { ص : 75 } . و { السماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون } { الذاريات : 47 } .
? ومن السنة المطهرة : ? حديث عبدالله بن عمرو ? - : عن النبي ? قال : (( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )) . والحديث رواه مسلم ( 3 / 1458 ) ، والنسائي ( 8 / 221 ) من طريق : عمرو بن أوس ، عن عبدالله بن عمرو – ? - به .
? وحديث أبي هريرة – ? - : عن النبي ? أنه قال : (( احتج آدم وموسى ، فقال له موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة ، قال له آدم اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ….. )) الحديث . وهو متفق عليه عند البخاري ( 4 / 146 ) ، ومسلم ( 4 / 2042 ) . وفي رواية عند مسلم : (( قال موسى : أنت آدم الذي خلق الله بيده …… )) . ولم تسلم هذه الصفة من تأويل ابن الجوزي ، فقد أولها بالقوة ، وتبعه السقاف على ذلك ، وهو مذهب غالب من ينتسب إلى الأشعري ، مع أن الشعري خالفهم في هذا القول ، فقال في كتابه (( الإبانة )) ( ص : 131 ) : (( فإن سئلنا : أتقولون إن لله يدين ؟ قيل : نقول ذلك ……. )) . ثم اسهب في الرد على من يدعي أن المراد باليد النعمة أو القدرة . وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة ، يثبتون أن لله تعالى يدين كما ورد في الكتاب والسنة .


الجزء الخامس والثلاثون

أقوال أهل العلم الدالة على إثبات صفة اليد لله تعالى

وأقوال أهل العلم من أهل السنة والجماعة والأئمة المتبوعين المعتبرين تشهد بما ذكرناه من إثبات صفة اليد لله تعالى . وإليك جملة من أقوالهم في ذلك :

? الإمام أحمد – رحمه الله – ( 27 ) : كما في رواية أبي طالب عنه ، قال : (( قلب العبد بين أصبعين ، وخلق أدم بيده ، وكل ما جاء الحديث مثل هذا قلنا به )) . وفي رواية الميموني عنه : (( من زعم أن يديه نعمتاه فكيف يصنع بقوله : { خلقت بيدي } مشددة )).

? الحافظ افسماعيلي : قال في اعتقاده كما في (( السير )) للذهبي ( 16 / 295 ) : (( اعلموا رحمكم الله أن مذاهب أهل الحديث الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ….، ويعتقدون بان الله مدعو بأسمائه الحسنى ، وموصوف بصفاته التي وصف بها نفسه ، ووصفه بها نبيه ، خلق آدم بيديه ، ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف …. )).

? أبو عثمان الصابوني : قال – رحمه الله – في (( اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث )) ( ص : 26 ) : (( يقول : إنه خلق آدم بيده كما نص سبحانه عليه في قوله عز وجل : { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين تحريف المعتزلة والجهمية أهلكم الله ، ولا ييفونهما بكيف أو يشبهونهما بايدي المخلوقين تشبيه المشبهة خذلهم الله ……. )) .

? أبو القاسم الأصبهاني المعروف بـ : (( قوام السنة )) : قال في كتابه : (( الحجة في بيان المحجة )) ( 2 / 291 ) في مذهب أهل السنة في الصفات : (( والإيمان بما ورد في القرآن من صفات الله تعالى كاليد ، والإتيان ، والمجيء ، وإمرارها على ما جاءت ، لا تكيف ، ولا تتأول )) .

? ابن قتيبة الدينوري : قال في (( الرد على الجهمية والمشبهه )) ( ص : 40 ) بعد أن فند أقوالهم في تأويل اليدين ، وردها بالأدلة الجازمة : (( فإن قال لنا : ما اليدان ها هنا ؟ قلنا : هما اليدان التان تعرف الناس كذلك ، قال ابن عباس في هذه الآية : (( اليدان : اليدان )) ، وقال النبي ? : (( كلتا يديه يمين )) ، فهل يجوز لأحد أن يجعل اليدين ها هنا نعمة ، أو نعمتين ، وقال : { لما خلقت بيدي } فنحن نقول كما قال الله تعالى ، وكما قال رسوله ، ولا نتجاهل ، ولا يحملنا ما نحن فيه من نفي على أن ننكر ما وصف به نفسه ، ولكنا لا نقول : كيف اليدان ، وإن سئلنا نقتصر على جملة ما قال ونمسك عما لم يقل )) .

? أبو الحسن الأشعري : الذي ينسب نفسه إليه . وقد تقدم نقل كلامه في ذلك ( ص : 167 ) .