عقيدة الأئمة الأربعة في توحيد الأسماء والصفات



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، اللهم فصل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين صلاة وسلاما دائمين متلازمين أبد الآبدين آمين.

وبعد،

قد سألني بعض الأصدقاء حفظهم الله تعالى أن أعمل مختصراً في عقيدة الأئمة الأربعة رحمة الله عليهم ورضوانه، ليقرب على المتعلم درسه ويسهل على المبتدئ حفظه ويتبين بطلان قول كثير من أهل الزيغ والبدع - أخزاهم الله - الذين انتسبوا إلى بعض من الأئمة الأربعة كالماتريدية والأحباش وغيرهم، ونسبوا إليهم عقيدة التعطيل بالتأويل الباطل، وهذا فرية بلا مرية، ومن شك في ذلك، فليطالع "أصول البزدوي" و"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" و"روح المعاني" و"الفقه الأبسط" و"شرح العقيدة الطحاوية" و"الجواهر المنفية في شرح وصية الإمام" و"ذم الكلام" و"الصفات" و"الشريعة" و"الأعتقاد" و"التمهيد" و"عقيدة السلف أصحاب الحديث" و"الفتح" و"ترتيب المدارك" و"آداب الشافعي" و"الحلية" و"السنن الكبرى" و"الأسماء والصفات" و"شرح السنة" و"إثبات صفة العلو" و"العلو" و"مختصر العلو" و"مجموع الفتاوى" و"الرسالة" و"الانتقاء" و"اللسان" و"ذم التأويل" و"الطبقات" و"اجتماع الجيوش الاسلامية" و"السير" و"كتاب المحنة" و"مناقب الشافعي" و"السنة" و"سير أعلام النبلاء" و"تهذيب التهذيب" و"مناقب الإمام" و"درء تعارض العقل والنقل" و"طبقات الحنابلة" وأخيراً "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" يظهر له أن زعمه موقع له في خسران، وإن ليس كل من انتسب إلى الإمام أبي حنيفة وبقية أئمة أهل السنة والجماعة - رضوان الله عليهم - يعدُّ موافقاً له في أصول الدين وفروعه، بل هناك من كبار المبتدعة من انتسب إلى الإمام أبي حنيفة، وأبو حنيفة بريء منهم كبراءة الذئب من دم يوسف، فبالمقارنة بين الإمام أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي والماتريدية يظهر إنَّهما مختلفان في المنهج متباعدان في التطبيق في كثير من مسائل الاعتقاد. فلم يكن الماتريدي والماتريدية على منهج الإمام أبي حنيفة في الاعتقاد وإن انتسبوا إليه في الفروع، وإنه ليس من منهج الإمام أبي حنيفة نوع من التشبيه أو التعطيل، وكذلك لا يوجد في كلام الإمام تفويض مطلق، بل الذي في كلام أبي حنيفة تفويضٌ مقيَّدٌ بنفي العلم بالكيفيَّة فقط لا المعنى، فقد أثبت الإمام جميع الصفات: ذاتيَّة كانت أو فعليَّةً بدون تأويلٍ، أو تحريفٍ، وظلَّ ملتزماً بمنهجه هذا أثناء التطبيق؛ فأبى أن يُؤوِّل اليد بالقدرة أو النعمة، والرضا بالثواب، والغضب بالعقاب. وكذلك يزعم الأحباش أنهم على مذهب الإمام الشافعي في الفقه والاعتقاد ولكنهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن مذهب الإمام الشافعي - رضي الله عنه، فهم يُأولون صفات الله تعالى بلا ضابط شرعي فيُأولون الاستواء بالاستيلاء كالمعتزلة والجهمية، والإمام الشافعي يثبت صفات الله بلا كيف ولا تعطيل، وهذا هو الصراط المستقيم في باب صفات الله إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل. فعقيدة الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - رضوان الله عليهم - اعتقاد واحدٌ في أصول الدين. وقد جمعت نصوص الأئمة الأربعة الواضحة في بيان عقيدتهم ليعرف القارئ الكريم أنهم متفقون في باب الاعتقاد. والحمد لله الذي يسَّر وأعان على إتمام هذا، فللَّهِ وحده الفضل والمنَّة.




إمام المسلمين أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه

هو النعمان بن ثابت بن زوطي, التيمي بالولاء. أبو حنيفة. فقيه العراق وإمام الحنفية وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. ولد ونشأ بالكوفة, ولما شب تلقى الفقه على حماد بن أبي سليمان الأشعري وسمع كثيرا من علماء التابعين وروى عنهم كعطاء ابن أبي رباح ونافع مولى ابن عمر والشعبي والزهري وغيرهم. وروى عنه جماعة منهم ابنه حماد وزفر والهذيل ومحمد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف القاضي وغيرهم. كان زاهدا ورعا, أراده يزيد بن هبيرة, أمير العراق, أيام مروان بن محمد أن يلي القضاء فأبى وأراده بعد ذلك المنصور العباسي على القضاء فامتنع وقال: لن أصلح للقضاء, فحلف عليه المنصور ليفعلن, فحلف أبو حنيفة أنه لن يفعل, فحبسه المنصور إلى أن مات, وقيل إنه قتله بالسم وقيل إنه توفي وهو يصلي. كان واسع العلم في كل العلوم الإسلامية وهو الذي تجرد لفرض المسائل وتقدير وقوعها وفرض أحكامها بالقياس وفرع للفقه فروعاً زاد في فروعه, وقد تبع أبا حنيفة جل الفقهاء بعده ففرضوا المسائل وقدروا وقوعها ثم بينوا أحكامها. وكان أبو حنيفة يتشدد في قبول الحديث ويتحرى عنه وعن رجاله, فلا يقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا رواه جماعة عن جماعة, أو إذا اتفق فقهاء الأمصار على العمل به . توفي في بغداد عن سبعين سنة. [الأعلام ج9 ص4، تاريخ بغداد ج13 ص323- 378، وفيات الأعيان ج5 ص405، المسعودي ج3 ص304، البداية والنهاية ج10 ص107، تذكرة الحفاظ ج1ص168 العبر ج1 ص214، النجوم الزاهرة ج2 ص12، مروج الذهب ج3 ص304، المعارف ص495، دائرة المعارف الإسلامية: مادة أبو حنيفة]

* عقيدة الإمام أبو حنيفة - رضي الله عنه - في التوحيد:

1)   قال الإمام أبو حنيفة: لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه. ونصفه كما وصف نفسه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، حي قادر سميع بصير عالم، يد الله فوق أيديهم، ليست كأيدي خلقه، ووجهه ليس كوجوه خلقه. [الفقه الأبسط ص56]

2)   قال الإمام أبو حنيفة: وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطالَ الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال… [الفقه الأكبر ص302]

3)   قال البزدوي: العلم نوعان علم التوحيد والصفات، وعلم الشرائع والأحكام. والأصل في النوع الأول هو التمسُّك بالكتاب والسُّنة ومجانبة الهوى والبدعة ولزوم طريق السنُّة والجماعة، وهو الذي عليه أدركنا مشايخنا وكان على ذلك سلفنا أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وعامة أصحابهم. وقد صنف أبو حنيفة - رضي الله عنه - في ذلك كتاب الفقه الأكبر، وذكر فيه إثبات الصفات وإثبات تقدير الخير والشر من الله. [أصول البزدوي ص3، كشف الأسرار هن أصول البزدوي ج1 ص7، 8]

4)   قال الإمام أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء، بل يصفه بما وصف به نفسه، ولا يقول فيه برأيه شيئاً تبارك الله تعالى ربّ العالمين. [شرح العقيدة الطحاوية ج2 ص427 تحقيق د. التركي وجلاء العينين ص368]

5)   سئل الإمام أبو حنيفة عن النزول الإلهي، فقال: ينزل بلا كيف. [عقيدة السلف أصحاب الحديث ص42، الأسماء والصفات للبيهقي ص456، وسكت عليه الكوثري، شرح الطحاوية ص245، شرح الفقه الأكبر للقاري ص60]

6)   قال الملاَّ علي القاري بعد ذكره قول الإمام مالك: "الاستواء معلوم والكيف مجهول…": اختاره إمامنا الأعظم – أي أبو حنيفة – وكذا كل ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهات من ذكر اليد والعين والوجه ونحوها من الصفات. فمعاني الصفات كلها معلومة وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذْ تَعقُّل الكيف فرع العلم لكيفية الذات وكنهها. فإذا كان ذلك غير معلوم؛ فكيف يعقل لهم كيفية الصفات. والعصمة النَّافعة من هذا الباب أن يصف الله بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبت له الأسماء والصفات وينفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثباتك منزهاً عن التشبيه، ونفيك منزَّهاً عن التعطيل. فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل ومن شبَّهه باستواء المخلوقات على المخلوق فهو مشبِّه، ومن قال استواء ليس كمثله شيء فهو الموحِّد المنزه. [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج8 ص251]

7)   قال الإمام أبو حنيفة: ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأنَّ فيه إبطال صفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال. [الفقه الأكبر ص302]

8)   قال الألوسي الحنفيُّ: أنت تعلم أن طريقة كثير من العلماء الأعلام وأساطين الإسلام الإمساك عن التأويل مطلقاً مع نفي التَّشبيه والتجسيم. منهم الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد، والإمام الشافعيَّ، ومحمد بن الحسن، وسعد بن معاذ المروزيُّ، وعبد الله بن المبارك، وأبو معاذ خالد بن سليمان صاحب سفيان الثوري، وإسحاق بن راهُويه، ومحمد بن إسماعيل البخاري، والترمذي، وأبو داود السجستاني.. [روح المعاني ج6 ص156]

9)   قال الإمام أبو حنيفة: ولا يشبه شيئاً من الأشياء من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته... [الفقه الأكبر ص301]

10)   قال الإمام أبو حنيفة: وصفاته بخلاف صفات المخلوقين يعلم لا كعلمنا، ويقدر لا كقدرتنا، ويرى لا كرؤيتنا، ويسمع لا كسمعنا، ويتكلَّم لا ككلامنا... [الفقه الأكبر ص302]

11)   قال الإمام أبو حنيفة: لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين. [الفقه الأبسط ص56]

12)   قال الإمام أبو حنيفة: وصفاته الذاتية والفعلية: أما الذاتية فالحياة والقدرة والعلم والكلام والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق والإنشاء والإبداع والصنع وغير ذلك من صفات الفعل لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته. [الفقه الأكبر ص301]

13)   قال الإمام أبو حنيفة: ولم يزل فاعلاً بفعله، والفعل صفة في الأزل، والفاعل هو الله تعالى، والفعل صفة في الأزل والمفعول مخلوق وفعل الله تعالى غير مخلوق. [الفقه الأكبر ص301]

14)   قال الإمام أبو حنيفة: من قال لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض. [الفقه الأبسط ص49، مجموع الفتاوى لابن تيمية ج5 ص48، اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص139، العلو للذهبي ص101، 102، العلو لابن قدامة ص116، شرح الطحاوية لابن أبي العز ص301]

15)   قال الإمام أبو حنيفة للمرأة التي سألته أين إلهك الذي تعبده؟ قال: إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض، فقال رجل: أرأيت قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} [سورة الحديد: الآية 4] قال: هو كما تكتب للرجل إني معك وأنت غائب عنه. [الأسماء والصفات ص429]

16)   قال الإمام أبو حنيفة: والقرآن غير مخلوق. [الفقه الأكبر ص301]

17)   قال الإمام أبو حنيفة: ونقر بأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق. [الجواهر المنفية في شرح وصية الإمام ص10]

18)   قال الإمام أبو حنيفة: ونقر بأن الله تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة. [شرح الوصية ص10]




الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه

هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ينتهي نسبه إلى ذي أصبح، وهي قبيلة من اليمن. أبو عبد الله. قدم أحد أجداده من اليمن إلى المدينة وسكنها، وكان جده أبو عامر من أصحاب رسول الله، شهد معه المغازي كلها ما عدا بدرا. هو أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، وإليه تنسب المالكية. أخذ العلم عن نافع مولى عبد الله بن عمر، وأخذه عن ابن شهاب الزهري، وأما شيخه في الفقه فهو ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي. كان مالك إماما في الحديث، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم، وكان رجلا مهيبا، ليس في مجلسه شيء من المراء واللغط. حدث عنه كثير من الأئمة، منهم ابن المبارك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي. قال البخاري. أصح الأحاديث عن مالك عن نافع عن ابن عمر. كان يعتمد في فتياه على كتاب الله ثم على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنده منهما، وكان يعطي لما جرى عليه العمل في المدينة أهمية كبرى، ولا سيما عمل الأئمة وفي مقدمتهم الشيخان: أبو بكر وعمر. حمل إلى جعفر بن سليمان العباسي، والي المدينة فضربه سبعين سوطا لأنه أفتى بعدم لزوم طلاق المكره، وهي فتوى ذات وجه سياسي، لأنها تسري إلى أيمان البيعة التي أحدثوها، وكانو يكرهون الناس على الحلف بالطلاق عند المبايعة، فرأوا أن فتوى مالك تنقض البيعة وتهون الثورة عليهم. سئل مالك عن البغاة أيجوز قتالهم؟ فقال: يجوز قتالهم إن خرجوا على خليفة مثل عمر بن عبد العزيز، فقيل له: إن لم يكن مثله، قال: دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم، ثم ينتقم من كليهما، فكانت هذه الفتوى سبب محنته. استند في إبطال يمين المكره على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ‌‌‌‌‌‌‌‌‌ رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه. ولما بلغ الخليفة ما فعل والي المدينة بمالك أنكره وعزل جعفر بن سليمان عن المدينة وأمر أن يؤتى به إلى بغداد محمولا على قتب (أي على جمل) . ثم لقي المنصور مالكا في موسم الحج سنة 163هـ واجتمع به في منى واعتذر إليه وطلب منه أن يدون علمه في كتاب يتجنب فيه شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس وشواذ عبد الله بن مسعود، وأن يقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه من الأئمة والصحابة، وأمر له بألف دينار وكسوة، فصنف مالك الموطأ وهو أول كتاب ظهر في الفقه الإسلامي. ومن كتبه (المدونة) وهي مجموعة رسائل من فقه مالك جمعها تلميذه أسد بن الفرات أقام مالك بالمدينة ولم يرحل منها إلى بلد آخر، وقد وجه إليه الرشيد ليأتيه فيحدثه، فقال: العلم يؤتى، فقصده الرشيد إلى منزله، وجلس بين يديه فحدثه. أكثر من رحل إليه المصريون والمغربيون من أهل أفريقية والأندلس، وهم الذين نشروا مذهبه في شمال أفريقية وفي الأندلس، ثم ظهر مذهبه في البصرة وبغداد وخراسان بواسطة فقهاء رحلوا إليه من تلك البلاد. توفي في المدينة عن 86 عاما ودفن بالبقيع. [الأعلام ج6 ص128، البداية والنهاية ج10 ص174، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج2 ص178-180، تذكرة الحفاظ ج1 ص207، شذرات الذهب ج1 ص289، الفهرست ص 286، وفيات الأعيان ج4 ص135، المعارف ص 498]

* عقيدة الإمام مالك بن أنس - رضي الله عنه - في التوحيد:

1)   سئل مالك عن الكلام والتوحيد؛ فقال مالك: محال أن يُظنَّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علَّم أمَّته الاستنجاء، ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فما عُصم به المال والدم حقيقة التوحيد. [ذم الكلام ق - 210]

2)   عن وليد بن مسلم قال: سألت مالكاً، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات؛ فقالوا أمِرّوها كما جاءت. [الصفات للدارقطني ص75، الشريعة للآجري ص314، الأعتقاد للبيهقي ص118، التمهيد لابن عبد البر ج7 ص149]

3)   قال ابن عبد البر: سئل مالك أيُرى الله يوم القيامة؟ فقال: نعم يقول الله عزَّ وجلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة: الآيتان 22، 23] وقال لقوم آخرين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [سورة المطففين: الآية 15]. [الانتقاء ص36]

4)   عن ابن نافع، وأشهب، وأحدهما قال: يزيد على الآخر: يا أبا عبد الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة: الآيتان 22، 23]، ينظرون إلى الله؟ قال: نعم بأعينهم هاتين؛ فقلت له: فإن قوماً يقولون: لا ينظر إلى الله، إنَّ {نَاظِرَةٌ} بمعنى منتظرة الثواب. قال: كذبوا بل ينظر إلى الله أما سمعت قول موسى عليه السلام: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} [سورة الأعراف: الآية 143] أفترى موسى سأل ربه محالاً؟ فقال الله: {لَن تَرَانِي} [سورة الأعراف: الآية 143] أي في الدنيا لأنها دار فناء ولا ينظر ما يبقى بما يفنى فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى وقال الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [سورة المطففين: الآية 15]. [ترتيب المدارك للقاضي عياض ج2 ص42]

5)   عن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه: الآية 5] كيف استوى؟ فما وجد - جاء في لسان العرب ج3 ص446: وجد عليه في الغضب يُجِدُ وجداً ومَوْجِدَة ووجداناً غضب، وفي حديث الإيمان، إني سائلك فلا تجد عليَّ أي لا تغضب من سؤالي - مالك من شيء ما وجد من مسألته، فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعودٍ في يده علاه الرحضاء - يعني العرق - ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج. [الحلية لابي نعيم ج6 ص325، عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني ص17-18، التمهيد ج7 ص151، الأسماء والصفات للبيهقي ص407، قال الحافظ ابن حجر في الفتح ج13 ص406، 407: إسناده جيد. وصححه الذهبي في العلو ص103]

6)   عن يحيى بن الربيع قال: كنت عند مالك ابن أنس، ودخل عليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق؟ فقال مالك: زنديق فاقتلوه. فقال: يا أبا عبد الله، إنما أحكي كلاماً سمعته. فقال: لم أسمعه من أحد، إنما سمعته منك، وعظَّم هذا القول. [الحلية لابي نعيم ج6 ص325، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ج1 ص249، ترتيب المدارك للقاضي عياض ج2 ص44]

7)   عن عبد الله بن نافع قال: كان مالك بن أنس يقول: من قال القرآن مخلوق، يوجع ضرباً، ويحبس حتى يتوب. [الانتقاء ص35]

8)   عن عبد الله بن نافع قال: قال مالك: الله في السماء، وعلمه في كل مكان. [مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص263، السنة لعبد الله بن أحمد ص11 (الطبعة القديمة)، التمهيد لابن عبد البر ج7 ص138]




الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه

هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي، بن عبد المطلب بن مناف. أبو عبد الله. موطن أبيه مكة خرج أبوه إلى غزة فولد له ابنه محمد، فعادت به أمه إلى مكة وهي يمانية من الأزد، وهو ابن سنتين بعد وفاة أبيه. استظهر القرآن في صباه، ثم خرج إلى قبيلة هذيل بالبادية، وكانوا من أفصح العرب، فحفظ كثيرا من أشعارهم، ثم عاد إلى مكة وقد أفاد فصاحة وأدبا. لزم مكة وقرأ على مسلم بن خالد الزنجي، وهو يومئذ شيخ الحرم المكي ومفتيه، حتى أذن له أن يفتي. ثم أتى الإمام مالكا في المدينة فقرأ عليه الموطأ فاكتسب فقها من مسلم وحديثا من مالك. رحل إلى اليمن وولي عملا لقاضيها مصعب بن عبد الله القرشي، وكانت اليمن مهدا لكثير من الشيعة، فاتهم بالتشيع، وكان الخليفة آنئذ هارون الرشيد، فحمل إليه، وهو في مدينة الرقة مع جماعة من المتهمين، وقد تعرض بهذه التهمة لخطر شديد، لولا لطف الله ثم شفاعة الحاجب الرشيد الفضل بن الربيع، فدافع عنه حتى أثبت براءته، وتكلم الشافعي أمام الرشيد فأعجب به وأمر بإطلاقه ووصله، وكان ذلك عام 184 هـ. انتهز الشافعي فرصة وجوده بالعراق فدخل بغداد واتصل بمحمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة، فأنزله عنده وأخذ الشافعي عنه واطلع على كتب فقهاء العراق واكتسب من فقههم، فجمع بين طريقة الفقهاء وطريقة أهل الحديث وكانت له مناظرات مع محمد بن الحسن مملوءة بكتب الشافعي. عاد بعد ذلك إلى مكة وكانت محجة العلماء من سائر الأقاليم، فاستفاد وأفاد وناظر وأخذ عنه كثيرون، ثم رحل إلى بغداد سنة 195 هـ في خلافة الأمين، وأخذ عنه علماء العراق، وأملى هناك كتبه في مذهبه (العراقي أو القديم) ، واجتمع بعلماء بغداد وأئمتها ومنهم الإمام أحمد بن حنبل، ثم عاد إلى مكة وقد انتشر ذكره في بغداد وانتحل طريقته كثير من علمائها. في سنة 198 هـ عاد إلى العراق في رحلته الثالثة إليه، ومكث في العراق قليلا وسافر منه إلى مصر، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم، وكان من أصحاب مالك، وكانت طريقة مالك منتشرة بين المصريين، وفي مصر صنف كتاب (الأم) وهو من كتبه الجديدة التي أملاها مع كتابه (الرسالة) في الأصول. والشافعي هو أحد الأئمة الأربعة. وقد نشر مذهبه بنفسه بما قام به من رحلات، وهو الذي كتب كتبه بنفسه وأملاها على تلاميذه ولم يعرف هذا لغيره من كبار الأئمة. والشافعي شاعر مقل، قريب المعاني، سهل الأسلوب، نجد في بعض مقطوعاته روح الشاعر. هو أول من صنف في أصول الفقه وأول من قرر ناسخ الحديث من منسوخه. من تصانيفه: كتاب الأم، رسالة في أصول الفقه، سبيل النجاة، ديوان شعره وغير ذلك. توفي في مصر عن 54 سنة. [الأعلام ج6 ص249، تاريخ بغداد ج2 ص56-73، وفيات الأعيان ج4 ص163، تذكرة الحفاظ ج1 ص361، شذرات الذهب ج2 ص9، حسن المحاضرة ج1 ص303، البداية والنهاية ج10 ص251، العبر ج1 ص243، حلية الأولياء ج9 ص63، طبقات الشافعية ص 6، معجم الأدباء ج6 ص367، الفهرست ص294]

* عقيدة الإمام ابن إدريس الشافعي - رضي الله عنه - في التوحيد:

1)   عن الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: من حلف باللهِ، أو باسم من أسمائه، فحنث؛ فعليه الكفارة. ومن حلف بشيء غير اللهِ، مثل أن يقول الرجل: والكعبة، وأبي، وكذا وكذا ما كان، فحنث؛ فلا كفارة عليه. ومثل ذلك قوله: لعمري.. لا كفارة عليه. ويمين بغير اللهِ فهي مكروهة، منهي عنها من قبل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم: إن اللهَ عزَّ وجلَّ نهاكم أن تحلِفوا بأبائكم، فمن كان حالفاً فليحلِف بالله أو ليسكت. [مناقب الشافعي ج1 ص405] وعلل الشافعي ذلك بأن أسماء اللهِ غير مخلوقة؛ فمن حلف باسم اللهِ، فحنث؛ فعليه الكفارة. [آداب الشافعي لابن أبي حاتم ص193، الحلية لابي نعيم ج9 ص112، السنن الكبرى للبيهقي ج10 ص28، الأسماء والصفات للبيهقي ص255، 256، شرح السنة للبغوي ج1 ص188، والعلو للذهبي ص121، ومختصره للألباني ص77]

2)   عن الشافعي أنه قال: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها، أهل الحديث الذين رأيتهم، وأخذت عنهم مثل سفيان، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن اللهَ تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء. [اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص165، إثبات صفة العلو ص124، مجموع الفتاوى ج4 ص181-183، والعلو للذهبي ص120، ومختصره للألباني ص176]

3)   عن المزني قال: قلت إن كان أحد يخرج ما في ضميري، وما تعلَّق به خاطري من أمر التوحيد؛ فالشافعي، فصرت إليه وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحداً لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم. قال: هذا الموضع الذي أغرق اللهُ فيه فرعون، أبلغك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: أتدري كم نجماً في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، ممَّ خُلِق؟ قلت: لا، قال: فشيءٌ تراه بعينك من الخلق لست تعرفه تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها، ففرَّعها على أربعة أوجهٍ، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيءٌ تحتاج إليه في اليوم خمس مرات؛ تدع عِلْمَهُ وتتكلف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك. فارجع إلى قول اللهِ تعالى: {وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {163} إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ} [سورة البقرة: الآيتان 163، 164] فاستدل بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف على ما لم يبلغه عقلك. [سير أعلام النبلاء ج10 ص31]

4)   عن يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي يقول: إذا سمعت الرجل يقول الاسم غير المُسمى، أو الشيء غير الشيء، فاشهد عليه بالزندقة. [الانتقاء ص79، مجموع الفتاوى ج6 ص187]

5)   قال الشافعي في كتابه الرسالة: والحمد لله... الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه. [الرسالة ص7، 8]

6)   عن الشافعي أنه قال: نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن، ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه، كما نفى عن نفسه، فقال: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سورة الشورى: الآية 11] [السير للذهبي ج20 ص341]

7)   عن الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول في قول الله عزَّ وجلَّ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [سورة المطففين: الآية 15] أعلمنا بذلك أن ثم قوماً غير محجوبين، ينظرون إليه، لا يضامون في رؤيته. [الانتقاء ص79]

8)   عن الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد ابن إدريس الشافعي، جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [سورة المطففين: الآية 15] قال الشافعي: فلما حجبوا هؤلاء في السخط؛ كان هذا دليلاً على أنه يرونه في الرضا. قال الربيع: قلت يا أبا عبد الله وبه تقول؟ قال: نعم به أدين اللهَ. [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ج2 ص506]

9)   عن الجارودي قال: ذُكر عند الشافعي، إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيَّة [قال عنه الذهبي: جهمي هالك كان يناظر ويقول بخلق القرآن. ميزان الاعتدال ج1 ص20، وانظر ترجمته في لسان الميزان ج1 ص34، 35] فقال: أنا مخالف له في كل شيء، وفي قوله لا إله إلا الله، لست أقول كما يقول. أنا أقول: لا إله إلا الله الذي كلَّم موسى عليه السلام تكليماً من وراء حجاب، وذاك يقول لا إله إلا اللهُ الذي خلق كلاماً أسمعه موسى من وراء حجاب. [الانتقاء ص79، والقصة ذكرها الحافظ عن مناقب الشافعي للبيهقي، اللسان ج1 ص35]

10)   عن الربيع بن سليمان، قال الشافعي: من قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر. [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ج1 ص252]

11)   عن أبي محمد الزبيري قال: قال رجل للشافعي، أخبرني عن القرآن خالق هو؟ قال الشافعي: اللهم لا، قال: فمخلوق؟ قال الشافعي: اللهم لا. قال: فغير مخلوق؟ قال الشافعي: اللهم نعم، قال: فما الدليل على أنه غير مخلوق؟ فرفع الشافعي رأسه وقال: تقر بأن القرآن كلام الله؟ قال: نعم. قال الشافعي: سبقت في هذه الكلمة، قال الله تعالى ذكره: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} [سورة التوبة: الآية 6] {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [سورة النساء: الآية 164] قال الشافعي: فتقر بأن الله كان، وكان كلامه؟ أو كان الله، ولم يكن كلامه؟ فقال الرجل: بل كان الله، وكان كلامه. قال: فتبسم الشافعي وقال: يا كوفيون إنكم لتأتوني بعظيم من القول إذا كنتم تقرُّون بأن الله كان قبل القبل، وكان كلامه. فمن أين لكم الكلام: إن الكلام اللهُ، أو سوى اللهِ، أو غير اللهِ، أو دون اللهِ؟ قال: فسكت الرجل وخرج. [مناقب الشافعي ج1 ص407، 408]

12)   وفي جزء الاعتقاد المنسوب للشافعي - من رواية أبي طالب العُشاري - ما نصه قال: وقد سئل عن صفات الله عزَّ وجلَّ، وما ينبغي أن يؤمن به، فقال: للهِ تبارك وتعالى أسماء وصفات، جاء بها كتابه وخبَّر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمته، لا يسع أحداً من خلق الله عزَّ وجلَّ قامت لديه الحجَّة أن القرآن نزل به، وصحَّ عنده قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى عنه، العدل خلافه، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجَّة عليه، فهو كافر بالله عزَّ وجلَّ. فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر؛ فمعذور بالجهل؛ لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالدراية والفكر. ونحو ذلك إخبار الله عزَّ وجلَّ أنه سميع وأن لد يدين بقوله عزَّ وجلَّ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [سورة المائدة: الآية 64] وأن له يميناً بقوله عزَّ وجلَّ: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [سورة الزمر: الآية 67] وأن له وجهاً بقوله عزَّ وجلَّ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [سورة القصص: الآية 88] وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [سورة الرحمن: الآية 27] وأن له قدماً بقوله - صلى الله عليه وسلم: "حتى يضع الرب عزَّ وجلَّ فيها قدَمه." يعني جهنم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي قُتِل في سبيل الله عزَّ وجلَّ أنه: "لقي الله عزَّ وجلَّ وهو يضحك إليه." وأنه يهبط كل ليلة إلى السماء الدنيا، بخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وأنه ليس بأعور لقوله النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ ذكر الدجال فقال: "إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور"، وأن المؤمنين يرون ربهم عزَّ وجلَّ يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر، وأن له إصبعاً بقوله - صلى الله عليه وسلم: "ما من قلب إلاَّ هو بين إصبعين من أصابع الرحمن عزَّ وجلَّ" وإن هذه المعاني التي وصف الله عزَّ وجلَّ بها نفسه، ووصفه بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تُدرَك حقيقتها تلك بالفكر والدراية، ولا يكفر بجهلها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه به، وإن كان الوارد بذلك خبراً يقول في الفهم مقام المشاهدة في السَّماع؛ وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة عليه، كما عاين وسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم، ولكن نثبت هذه الصفات، وننفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الشورى: الآية 11]... آخر الاعتقاد. [ذم التأويل لابن قدامة ص124، الطبقات لابن أبي يعلى ج1 ص283، اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم ص165، السير للذهبي ج10 ص79]




الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه

هو أحمد بن حنبل بن هلال الذهلي الشيباني المروزي البغدادي. أبو عبد الله. أصله من مرو ولد في بغداد وفيها تعلم. رحل إلى الكوفة و البصرة وإلى الشام والحجاز واليمن، وعني في هذه الأسفار بطلب الحديث، ثم عاد إلى بغداد. ولما قدم الشافعي إلى بغداد تفقه عليه، ثم اجتهد لنفسه. صاحب المذهب الحنبلي والإمام في الحديث والفقه. وقف وقفته المشهورة في المحنة بخلق القرآن، وتزعم الفريق الذي عارض هذه الفكرة واحتمل مع أصحابه كثيرا من الأذى والضرر، فقد أمر المعتصم بضربه بالسياط، فضرب حتى تمزق جسمه وحبس نحو ثمانية وعشرين شهراً وهو في العذاب، ثابت محتسب، فلما علموا أنه لا يجيب أطلقوا سراحه. في عهد الخليفة الواثق بالله منع من الفتيا وأمر أن يختفي، فلزم بيته حتى مات الواثق فارتفعت المحنة في عهد الخليفة المتوكل وتلاشت فكرة خلق القرآن وقد أظهر المتوكل إكرامه له، فاستدعاه إليه وأكرمه وأمر له بجائزة كبيرة فلم يقبلها، وخلع عليه خلعة سنية فاستحيا منه أحمد فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلا فيه، ثم نزعها نزعاً عنيفاً وهو يبكي، وجعل المتوكل يرسل إليه في كل يوم من طعامه الخاص ويظن أنه يأكل منه، ولكنه كان صائماً طاوياً تلك الأيام حتى غادر سامراء وعاد إلى بغداد. سمع الحديث من أكابر المحدثين وشيوخ بغداد وروى عنه البخاري ومسلم وطبقتهما، وكان إمام أهل الحديث في عصره، وعداده في رجال الحديث أثبت منه في عداد الفقهاء. من تصانيفه: المسند ويحتوي على نيف وأربعين ألف حديث. كتاب طاعة الرسول. كتاب الناسخ والمنسوخ. كتاب العلل، كتاب الجرح والتعديل، وغير ذلك. توفي عن 77 سنة. [الأعلام ج1 ص192، تاريخ بغداد ج4 ص412، البداية والنهاية ج10 ص316، شذرات الذهب ج2 ص96، وفيات الأعيان ج1 ص63، العبر ج1 ص435، الفهرست ص320، دائرة المعارف الإسلامية: مادة ابن حنبل]

* عقيدة الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - في التوحيد:

1)   إن الإمام أحمد سئل عن التوكل، فقال: قطع الاستشراف بالإياس من الخلق. [طبقات الحنابلة ج1 ص416]

2)   قال الإمام أحمد: لم يزل الله عزَّ وجلَّ متكلماً، والقرآن كلام الله عزَّ وجلَّ، غير مخلوق، وعلى كل جهة، ولا يوصف الله بشيءٍ أكثر مما وصف به نفسه، عزَّ وجلَّ. [كتاب المحنة لحنبل ص68]

3)   عن أبي بكر المروذي قال: سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش فصححها، وقال: تلقتها الأمة بالقبول وتمر الأخبار كما جاءت. [مناقب الشافعي لابن أبي حاتم ص182]

4)   قال عبد الله بن أحمد: إن أحمد قال: من زعم أن الله لا يتكلم فهو كافر، إلاَّ أننا نروي هذه الأحاديث كما جاءت. [طبقات الحنابلة ج1 ص56]

5)   عن حنبل أنه سأل الإمام أحمد عن الرؤية فقال: أحاديث صحاح، نؤمن بها، ونقر، وكل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر. [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ج2 ص507، السنة ص71]

6)   أورد ابن الجوزي في المناقب كتاب أحمد بن حنبل لمسدَّد وفيه: صفوا الله بما وصف به نفسه، وانفُوا عن الله ما نفاه عن نفسه... [سير أعلام النبلاء ج10 ص591، تهذيب التهذيب ج10 ص107]

7)   قال الإمام أحمد: وزعم - جهم بن صفوان - أن من وصف الله بشيءٍ مما وصف به نفسه في كتابه، أو حدَّث عنه رسوله كان كافراً وكان من المشبِّهة. [مناقب الإمام أحمد ص221]

8)   قال الإمام أحمد: نحن نؤمن بأن الله على العرش، كيف شاء، وكما شاء، بلا حد، ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد؛ فصفات اللهِ منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار. [درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ج2 ص30]

9)   قال الإمام أحمد: من زعم أن اللهَ لا يُرى في الآخرة فهو كافر مكذب بالقرآن. [طبقات الحنابلة ج1 ص59، 145]

10)   عن عبد الله بن أحمد، قال: سألت أبي عن قوم يقولون: لما كلم اللهُ موسى، لم يتكلم بصوت فقال أبي: تكلم اللهُ بصوت، وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت. [طبقات الحنابلة ج1 ص185]

11)   عن عبدوس بن مالك العطار، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ... والقرآن كلام اللهِ، وليس بمخلوق، ولا تضعف أن تقول ليس بمخلوق؛ فإن كلام اللهِ منه، وليس منه شيء مخلوق. [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي ج1 ص157]




والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يوفقنا جميعاً لهدي كتابه والسير على سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه الشيخ أبو إبراهيم الرئيسي العماني. (18 من صفر 1423هـ)