رسالة في المصافحة بين الرجل و المرأة

مصافحة المرأة للرجال محل خلاف في الفقه الإسلامي، فيرى رأي جواز ذلك واستدلوا بأن عمر رضي الله عنه قد صافح النساء عندما امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مصافحتهن، وأن أبا بكر الصديق قد صافح عجوزًا في خلافته. والحقيقة أن هذه أحاديث ضعيفة لا يجوز الاستشهاد بها. واستدلوا بأحاديث عامة أخرى أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه جعل امرأة من الأشعريين تفلي رأسه وهو مُحْرِم في الحج. وهذا صحيحٌ أخرجه البخاري. وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل أم حرام تفلي رأسه، ولم يثبت محرمية بينهما. وهذا ثابت في صحيح البخاري.

فمصافحة الرجل للمرأة من الأمور التي تشغل الناس فيها كثيراً. إذ لم يرد أي حديث صحيح في تحريم المصافحة. البعض قال بالتحريم مستندين إلى حديث أخرجه الطبراني في الكبير عن معقل بن يسار و هو "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" (20/ 212). و هذا الحديث ضعيف لا يحتج به ضعفه السيوطي في كتابه الجامع الصغير، المجلد الخامس.

و حتى لو صح سند الحديث فلا يعني هذا المصافحة لأن التماس بين الرجل و المرأة في لغة العرب يعني الجماع و مسَّ الرجل امرأَتهُ أي جامعها كما في قوله تعالى {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} و قوله { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} و أمثال هذا في القرآن و الحديث و أشعار العرب كثيرة جداً.

و البعض احتج بحديث بحديث آخر صحيحٌ أخرجه و مالك و غيره عن أميمة بنت رقيقة ‏أنها قالت: ‏جئت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏في نسوة نبايعه فقال لنا ‏ ‏فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ. و هذا حديث صحيح له الكثير من الشواهد، إلا أنه ليس فيه أي دلالة على التحريم. إذ أن امتناع رسول الله (صلى الله عليه و سلم) عن أمر دون أن ينهى عنه لا يدل على التحريم. و قد امتنع عن أكل الثوم و البصل و الضب و أجازه لأصحابه. و إن دل الحديث على شيء فعلى كراهية المصافحة بين الرجل و المرأة الأجنبية إن أمنت الفتنة (كمصافحة الشاب للمرأة العجوز). أما في حال الفتنة فإن المصافحة لا تجوز من منطلق سد الذرائع. لقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالقبلة للشيخ الكبير وهو صائم في رمضان ولم يرخص ذلك لشاب أتاه وسأله نفس السؤال. و الله أعلم بالصواب.