لا دفاعا عن الالباني فحسب بل دفاعا عن السلفية

الرد على الجهمي المعطل حسن السقاف

بسم الله الرحمن الرحيم

نتابع الردود على الجهمي المعطل حسن السقاف.

 الجزء السادس عشر

إثبات صفة النزول للرب عز وجل والرد على السقاف في نفيه ذلك

 

وقد صرح السقاف بمعتقده في هذه المسألة في كتابه (( إلقام الحجر )) ، وفي تعليقه على كتاب ابن الجوزى : (( دفع شبه التشبيه )) .

فقال في الأول (ص:10) : ( وأما نأويل النزول بنزول ملك فهو الصحيح كما قال الباجورى ، لوروده في حديث صحيح ، ونصه : (( إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً ينادي يقول : هل من داع يستجاب له ، هل من يستغفر له ؟ هل من سائل يعطي )) . رواه النسائي بسند صحيح في عمل اليوم والليلة (ص :340) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ، وقد فصلت الكلام عليه وبيان طرقه ، ومتابعاته وشواهده في (( الأدلة المقومة لاعوجاجات المجسمة )) ، وبينت بطلان كلام الألباني في تضعيفه ، وبطلان طعنه بحفص بن غياث الثقة الإمام الذي أخرج أحاديثه الستة ) .

وقال في الثاني (ص:193) نحواً من ذلك ، وزاد زيادات سوف يأتي التنبيه عليها ، والرد على ما ورد فيها من ضلالات ، فالله المستعان .

 قلت : ويكفي لإثبات صفة النزول للرب سبحانه وتعالى ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم – رحمهما الله – في (( صحيحيهما )) من حديث أبي هريرة ? : عن النبي ? ، قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له )) .

قال الحافظ الذهبي – رحمه الله – في (( الأربعين في صفات رب العالمين ))(ص:100): (( هذا حديث حسن ، متفق عليه من حديث أبي هريرة وغيره ، وقد أفردت له جزءاً ، وقد ذكرت فيه عن أكثر من عشرين صحابياً عن النبي ? نزول الرب عز وجل بطرق كثيرة إليهم ، ومنها لمسلم : (( فينزل : فيقول : لا أسأل عن عبادي غيري )) . وقد حدّث بهذا الحديث حماد بن سلمة ، فقال : من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه )) .

قلت : وهذا الحديث لم يسلم من طعون السقاف وتأويلاته فادعى أن الذي ينزل هو أحد الملائكة ، واستدل على ذلك بما رواه النسائي في (( عمل اليوم والليلة ))(486) : أخبرني إبراهيم بن يعقوب ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي حدثنا الأعمش ، حدثنا أبو إسحاق ، حدثنا أبو مسلم الأغر ، سمعت أبا هريرة و أبا سعيد يقولان : قال رسول الله ? : (( إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً ينادي ، هل من داع يستجاب له ، هل من مستغفر يغفر له ، هل من سائل يعطى )) . وهذه الرواية شاذة ، من جهة ذكر المنادي .

فقد رواه جماعة عن أبي إسحاق فأثبتوا النزول والنداء لله عز وجل ، وهم :
1 – شعبة بن الحجاج : أخرجه الإمام أحمد (3/34) ، ومسلم (1/52) ، وابن خزيمة (1146) ، والآجرى في ((الشريعة )) (ص:310) .
2 – سفيان الثوري : أخرجه الآجرى (ص:309) .
3 – أبو عوانة : أخرجه أحمد (2/383) ، والرامهرمزى في (( المحدث الفاصل ))(552) .
4 – معمر : أخرجه عبد الرزاق (1/444-445/19654) .
5 – إسرائيل : أخرجه الآجرى (ص:310) .
6 – شريك : أخرجه الآجرى (ص:310) .
7 – منصور بن المعتمر : أخرجه مسلم (1/523) ، والنسائي في (( اليوم والليلة ))(485) .

وليس الحمل فيه على الأعمش ، فقد رواه الآجرى (ص:309) من طريق : مالك بن سعير ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي مسلم الأغر ، عن أبي هريرة مرفوعاً: (( إن الله عز وجل يمهل حتى إذا كان شطر الليل نزل تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ، فقال : هل من مستغفر ………الحديث )) . وسنده صحيح . فالحمل في رواية النسائي – الشاذة – على حفص بن غياث أولى ، فقد تغير بعدما تولى القضاء ، وقد خالف الأكثر والأوثق . والحديث محفوظ من طرق أخرى – غير طريق الأغر – عن أبي هريرة بلفظ نزول الرب عز وجل . وأما زعمه أن هذا الحديث كان في كتاب حفص ، فمردود عليه .

قال في تعليقه على (( دفع شبه التشبيه ))(ص:193) : ( وقد زعما – أي الألباني وشعيب الأرناؤوط – أن حفص بن غياث تغير حفظه قليلاً بأخرة ، وأقول : إن هذا تضعيف مردود لأن رواية حفص عن الأعمش كما في إسناد هذا الحديث كانت في كتاب عند ابن حفص – عمر – كما في ترجمة حفص في (( تهذيب الكمال ))(7/60) ، و ((تهذيب التهذيب ))(2/358) ، فلا يضرها اختلاط حفص بأخرة على تسليم وقوعه ) .

*قلت : هذه إحالة على جهالة ، فالذي ورد في (( تهذيب التهذيب )) : (( قال ابن خراش :بلغني عن على بن المديني، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : أوثق أصحاب الأعمش حفص بن غياث ، فأنكرت ذلك ، ثم قدمت الكوفة بأخرة ، فأخرج إلى عمر بن حفص كتاب أبيه ، عن الأعمش ، فجعلت أترحم على يحيى )) .

*قلت : هذا الإسناد منقطع بين ابن خراش وعلى بن المديني من جهة ، ومن جهة أخرى لم يرد في هذا الخبر ما يدل على أن هذا الحديث من كتاب حفص ، ولم يرد في إسناد الخبر نفسه ما يدل على ذلك ، وقد يكون الحديث من رواية صاحب كتاب او صاحب نسخة ، إلا أن حديثاً بعينه من روايته لا يكون من هذه النسخة .

ونضرب على ذلك مثالاً : ما أخرجه أحمد والترمذى والحاكم من طريق :عمرو بن الحارث ، عن دراج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد مرفوعاً : (( لاحكيم إلا ذو تجربة ، ولا حليم إلا ذو عثرة )) . قال الحافظ ابن حجر مدافعاً عن هذا الحديث في (( أجوبته عن أحاديث المصابيح )) (المشكاة :1786) : (( صحيح ابن حبان هذه النسخة من رواية ابن وهب ، عن عمرو ابن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، فأخرج كثيراً من أحاديث في صحيحه )) . فاحتج على تقوية الحديث بأنه من نسخة ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، لأن من رواه رواه من طريق ابن وهب ، فظن أنها من نسخته ، والأمر خلاف ما ذكر . قال ابن عدي في (( الكامل ))(3/1256) : (( وهذا لا يرويه مصرى عن ابن وهب ، إنما يرويه قوم غرباء ثقات سمعوه من ابن وهب بمكة ، وليس هذا في نسخة عمرو بن الحارث من رواية ابن وهب عنه )) . قلت : فكون الحديث من رواية عمر بن حفص ، عن أبيه ، عن الأعمش لا يعنى أنه في كتاب حفص عن الأعمش ، ولو سلمنا بذلك فقد خالف حفص بن غياب الأكثر والأحفظ ، فروايته على ذلك شاذة بل منكرة .

ولا يفوتني في المقام أن أنبه على ما تعلم به السقاف في تعليقه السابق ذكره ، وحاول به أن ينقض من منزلة الشيخ الألباني – حفظه الله – من استدراكه – كذا زعم !! – وصفه لرواية حفص بن غياث بالنكارة ، حيث قال (ص:193) : ( وقوله – المعلق على (( أقاويل الثقات )) – عن حديث النسائي : منكر بهذا الشياق غريب !! بل من القول ، ويصح ذلك لو كان حفص ضعيفاً ، وليس هو كذلك ، ثم لانكارة في المتن ألبتة ، فلو كان ادعاه الألباني ، ومتابعة حقاً لكان شاذاً لا منكراً لقول أهل الحديث : وما يخالف ثقة به الملا فالشاذ والمقلوب قسمان تلا)

 قلت :وهذا استدراك في غير محله ، فقد سبقهما إلى وصف ما تفرد به حفص بن غياث بالنكارة الحافظ الجهبذ أبو عبدالله الذهبي ، فقال في (( الموقظة ))(ص:77) : (( وقد يسمى جماعة من الحفاظ الحديث الذي يتفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكراً )) .

 قلت : وفي هذا الإطلاق نكتة لطيفة ، وهي أن وصف حديثه بالنكارة لأنه اعتراه بعض الضعف الذي نزل به عن درجة الثقة الحافظ لحديثه المتثبت فيه ، وإطلاق النكارة مختص بالضعيف لا بالثقة المتثبت ، وابن غياث اعتراه ضعف بعد توليه القضاء . قال ابن رجب في (( شرح علل الترمذي ))(ص:297) : (( وأما حفص ابن غياث فقد كان أحمد وغيره يتكلمون في حديثه لأن حفظه كان فيه شيء )) .

وقد حاول السقاف أن يقوي استدلاله بالحديث السابق ، فاستشهد له بشاهد عن عثمان بن أبي العاص ? مرفوعاً : (( تفتح أبواب السماء نصف الليل ، فينادي مناد ، هل من داع فيستجاب له ، هل من سائل فيعطى ، هل من مكروب فيفرج عنه ، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له ، إلا زانية تسعى بفرجها ، أو عشاراً )). قال السقاف بعد أن عزاه إلى الإمام أحمد (4/22و217) ، والبزار (4/44كشف الأستار ) ، والطبراني (9/51) : ( وهو صحيح الإسناد ، وانظر مجمع الزوائد (10/209) ، وفيه : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) . وقد نقل هناك تصحيح الألباني لهذا الحديث . والحق أن هذا الحديث : معلول . كما سوف يأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى .


الجزء السابع عشر

فصل في :ذكر علة خبر عثمان بن أبي العاص

ورد هذا الحديث من طريقين عن عثمان بن أبي العاص :

الأول : من رواية على بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن عثمان باللفظ المذكور . أخرجه أحمد ( 4/22و217) ، والبزار ( 4/44:كشف ) .وهذا الإسناد معلول بعلتين :

? الأولى : ضعف علي بن زيد بن خدعان .
? والثانية : الانقطاع ، فالحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص كما في ترجمته من (( تهذيب التهذيب )) (2/231)

والثاني : من رواية هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عثمان بن أبي العاص به . أخرجه الطبراني في (( الكبير ))(9/51) : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحى ، حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار ، عن هشام بن حسان به .

قلت : وقد اختلف في هذا الإسناد على داود بن عبد الرحمن . فأخرجه البيهقي في (( الشعب ))(7/418/3555) ، وفي (( فضائل الأوقات ))(25) من طريق : جامع بن الصبيح الرملي ، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز عن داود بن عبد الرحمن ، عن بن حسان ، عن الحسن ، عن عثمان مرفوعاً بلفظ : (( إذا كان ليلة النصف من شعبان ، نادى مناد ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من سائل فأعطيه ، فلا يسأل الله عز وجل أحد شيئاً إلا أعطاه إلا زانية بفرجها أو مشرك )) .
وجامع بن صبيح هذا ترجمه ابن أبي حاتم في (( الجرح والتعديل )) (2/1/530) وسكت عنه ، وضعفه لأزدى كما في (( لسان الميزان ))(2/93) .
ولكن تابعه على هذه الرواية راو ثقة وهو محمد بن بكار بن الزبير ، فرواه عن مرحوم به .
أخرجه الخرائطي في (( مساوئ الأخلاق ))(رقم :490) : حدثنا عبدالله بن أحمد بن إبراهيم الدورقى ، حدثنا محمد بن بكار ، عن مرحوم به .

 قلت : وهذا سند صحيح إلى مرحوم بن عبد العزيز . ومرحوم بن عبد العزيز أثبت من مخالفة داود بن عبد الرحمن . فالأول : وثقة أحمد ، وابن معين ، والنسائي ، والبزار ، ويعقوب بن سفيان ، وابو نعيم ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وأخرج له الستة .

وأما الثاني : فقال أبو حاتم : (( صدوق )) ومثله نقل عن صالح جزرة ، وذكره ابن حبان في (( الثقات )) ، وأخرج له مسلم . فالأصح رواية مرحوم من حديث الحسن عن عثمان في فضل ليلة النصف من شعبان . وهي معلولة بالانقطاع بين الحسن وعثمان كما تقدم والله أعلم .

 قلت : وقد استدل السقاف بالحديثين السابقين – وهما ضعيفان كما بينا - على أن الذي ينزل وينادي هو ملك إعمالاً لما نقله الحافظ في (( الفتح )) عن بعض المشايخ من ضبطهم لفظ : ( ينزل ) بضم الياء ، وهذا وجه ضعيف مخالف لعامة الروايات الواردة في هذا الحديث والتي تثبت النزول لله سبحانه وتعالى .
وقد أنكر بعض أهل العلم هذا الضبط .
قال أبو القاسم الأصبهاني المعروف بـ((قوام السنة )) في كتابه (( الحجة في بيان المحجة ))(1/248) :
(( ذكر على بن عمر الحربي في كتاب (( السنة )) : أن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ، قاله النبي ? من غير أن يقال : كيف ؟
فإن قيل : ينزل أو ينزل ؟ قيل : يَنزل بفتح الياء وكسر الزاي ، ومن قال : يُنزل بضم الياء فقد ابتدع ، ومن قال : ينزل نوراً وضياءً فهذا أيضاً بدعة )) .
وعلى بن عمر الحربي هذا إمام محدث زاهد ثقة صاحب معرفة وعلم وكرامات ، وانظر ترجمته في (( تاريخ بغداد )) : (12/43) ، و(( سير أعلام النبلاء )) : (17/69) .
والعجيب حقاً من السقاف – غفر الله لنا وللمسلمين – أن يصر على تجنيه على الأئمة ، فيذكر في مقام إثبات ما ذهب إليه أنه مذهب مالك ، فيقول في ( ص:194 تعليق رقم :129) :
( وممن أوّل حديث النزول بنزول رحمته سبحانه الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى ، وهو من أئمة السلف ، فيما رواه عنه الحافظ ابن عبد البر في كتابه ((التمهيد)) (7/143) ، وفي (( سير أعلام النبلاء ))(8/105) :
(( قال ابن عدي : حدثنا محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك ، قال : يتنزل ربنا تبارك وتعالى أمره ، فأما هو فدائم لا يزول ، قال صالح : فذكرت ذلك ليحيى بن بكير ، فقال : حسن والله ، ولم أسمعه من مالك )) .
قلت : وفي هذا أن مالكاً ينزه الله عن الحركة ، ولا نقول : إنه ساكن ، سبحان ربي العظيم الأعلى ) .
وكنت قد أجبت عن هذه الشبهة قبل تفصيلاً ، ولا مانع من استحضار علة عدم ثبوت هذا الخبر هنا ، وهي :
وهاء حبيب بن أبي حبيب ، قال أحمد : (( ليس بثقة . . . . كان يكذب )) ، وأثنى عليه شراً وسوءاً ، وقال أبو داود : (( كان من أكذب الناس )) ، وفي رواية عنه : (( يضع الحديث )) ، وقال النسائي : (( متروك الحديث ، أحاديثه كلها موضوعة عن مالك )) ، ووهاه آخرون ذكرتهم هناك .
وصالح بن أيوب هذا مجهول .
وقد علق الذهبي على هذه الرواية بعد إيرادها في كتاب بقوله :
(( قلت : لا اعرف صالحاً ، وحبيب مشهور ، والمحفوظ عن مالك – رحمه الله – رواية الوليد بن مسلم أن سأله عن أحاديث الصفات ، فقال : أمروها كما جاءت بلا تفسير )) .
وأما طريق ابن عبد البر ففيه جامع بن سوادة وهو متهم ، وفيه علة أخرى ذكرتها في الموضع المشار إليه فلتراجع .
ثم وقفت للحافظ الكبير ابن رجب – رحمه الله – على تضعيفه لنسبة هذا القول إلى مالك ، فقال في (( فتح الباري شرح صحيح البخاري )) له ، وهو من أعظم الشروح على الإطلاق وصل فيه إلى جنائز (9/279) :
(( وقد تقدم عن مالك ، وفي صحته عنه نظر )) .
والسقاف فيما فعل تبع شيخه عبدالله بن الصديق الغمارى الذي يحذف من كلام العلماء ما يخالف مذهبه ن ويعكر مشربه .
وقد تصرف التلميذ تصرف أستاذه ، لا أعلم لأي منهما السبق في هذا المضمار !!
فقال في كتابه : (( فتح العين بنقد كتاب الأربعين ))(ص:55) :
( (( باب : نقد باب إثبات نزوله إلى السماء الدنيا )) – بعد أن أورد حديث رفاعة عن عرابة الجهنى في النزول :
( قال الحافظ – [ أي ابن حجر ] – استدل به من أثبت الجهة ، وقال : هي جهة العلو وأنكر ذلك الجمهور ، لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز ، تعالى الله عن ذلك ، وقد اختلف في معنى النزول أقوال : فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة ، تعالى الله عن قولهم ، ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة ، وهم الخوارج والمعتزلة ، وهو مكابرة ، ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال ، منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف ، ومنهم من أوله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب ، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد يخرج إلى نوع من التحريف ، ومنهم من فصل بين ما يمون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب ، بين ما يكون بعيداً مهجوراً ، فأول في بعض ، وفوض في بعض ، وهو منقول عن مالك ، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد ) .
 قلت : فمن يقرا هذا الكلام يظن للوهلة الأولى أن الإمام مالك قد أول وفوض في أحاديث النزول ، هذا لأن الغمارى قد أسقط من الكلام ما يدل على خلاف ذلك .
فنص كلام ابن حجر في (( الفتح )) (3/23) : ( استدل به من أثبت الجهة ، وقال : هي جهة العلو ، وأنكر ذلك الجمهور ، لأن معنى القول بذلك يفضي إلى التحيز ، تعالى الله عن ذلك ، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال : فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة ، تعالى الله عن قولهم ، ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة ، وهم الخوارج والمعتزلة ، وهو مكابرة ، ومنهم من أجراه على ما ورد ، مؤمناً به على طريق الإجمال ، ومنزهاً الله تعالى الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف ، { ونقله البيهقي عن الأئمة الأربعة ، والسفيانين ، والحمادين ، والأوزاعي والليث ، وغيرهم}، ومنهم من أوله على وجه ….) .
فما أسقطه الغمارى يدل على دلالة قاطعة على أن مذهب الإمام مالك هو مذهب السلف من حيث الإيمان بصفة النزول ، مع عدم الخوض في كيفيتها ، وأن ما نقله الحافظ عن الإمام مالك في التأويل والتفويض فالأغلب أنه اعتمد في ذلك على الروايات الضعيفة الواردة عنه في ذلك ، والتي سبق ذكرها ، والتي لينها ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - ، والله أعلم .


الجزء الثامن عشر

ذكر أقوال من أثبت النزول للرب عز وجل من أهل العلم

* قال الإمام الترمذي – رحمه الله – في (( الجامع ))(3/50-51): بعد أن أخرج حديث : (( إن الله يقبل الصدقة ، ويأخذها بيمينه …..)) . قال الترمذي : (( قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، وقالوا : قد ثبت الروايات في هذا ، ويؤمن بها ، ولا يتوهم ، ولا يقال : كيف ؟ هكذا روى عن مالك وسفيان بن عيينة وعبدالله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث : أمروها بلا كيف ، وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة ، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا : هذا تشبيه )) .

قلت : والمعنى بـ(الإمرار ) أي إثبات الصفة كما وردت ، ولا يقال : كيف ينزل ؟ ولا يقال : ينزل كنزول … أو مثل نزول … وإنما يثبت له الصفة مع اعتقاد الكمال له سبحانه فيها وعدم التشبيه أو التجسيم أو التكييف .

? وقال إسحاق بن راهوية – رحمه الله - : جمعنى هذا المبتدع – إبراهيم بن أبي صالح – مجلس الأمير عبد الله بن طاهر ، فسألني الأمير عن أخبار النزول ،فسردتها ، فقال ابن أبي صالح : كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء ، فقلت : آمنت برب يفعل ما يشاء (20) .

? وقال حنبل بن إسحاق : سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروي عن النبي ? : (( إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا )) ؟ فقال أبو عبدالله : نؤمن بها ، ونصدق بها ، ولا نرد شيئاً منها إذا كانت أسانيدها صحاح ، ولا نرد على رسول الله ? قوله ، ولا نعلم أن ما جاء به الرسول حق . قلت لأبي عبدالله : ينزل الله إلى سماء الدنيا ، قال : قالت : نزوله بعلمه ؟ بماذا ؟ قال لي : اسكت عن هذا ، مالك ولهذا ، أمض الحديث على ما روى ، بلا كيف ولا حد إنما جاءت به الآثار ، وبما جاء به الكتاب . قال الله عز وجل : { ولا تضربوا لله الأمثال } . ينزل كيف يشاء بعلمه ، وقدرته ، وعظمته ، أحاط بكل شيء علماً ، ولا يبلغ قدره واصف ، ولا ينأى عنه هرب هارب (21) .

? وقال إسحاق بن منصور الكوسج – رحمه الله - : قلت لأحمد – يعني ابن حنبل - : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى سماء الدنيا )) ، أليس تقول بهذه الأحاديث ؟ و ((يراه أهل الجنة )) ، يعني ربهم عز وجل . و (( لاتقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته )) . و (( اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه )) . و (( إن موسى لطم ملك الموت )) . قال أحمد : كل هذا صحيح . قال إسحاق : هذا صحيح ، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي (22) .

 ? وأخيراً أقول للسقاف : أبو الحسن الأشعري الذي تنسب نفسك إليه يثبت للرب عز وجل ، ويثبت الأحاديث الواردة في النزول ، وانظر إن شئت كتابه (( الإبانة ))(ص:122) باب ذكر الاستواء على العرش . وكتابه (( مقالات الإسلاميين ))( ص: 220-225) حيث قال : (( هذه حكاية جملة أقوال أصحاب الحديث وأهل السنة . . . . فذكرها ، وذكر منها: (( ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله ? أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر ، كما جاء في الحديث عن رسول الله ? …. حتى قال : وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب )) .


الجزء التاسع عشر

إثبات صفة العلو للواحد القهار والرد على السقاف في نفيه ذلك

لقد تأول السقاف صفة العلو للواحد القهار ، فادعى أنه علو معنوي ، وهذا خروج عن ظاهر النصوص ، فإنه يقصد بذلك علو المنزلة والمكانة ، وينفي العلو بالذات والصفات لله تعالى .

والأدلة على إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى كثيرة من الكتاب والسنة . قال تعالى :{ ثم استوى على العرش } {يونس : 3 ، الفرقان : 59 ، السجدة : 4 ، الحديد : 4 } .
وقال : { أأمنتم من في السماء } { الملك : 16 } . وقال عز من قائل :{ إليه يصعب الكلم الطيب } { فاطر : 10} . وقال سبحانه : { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه } {السجدة : 5 } .
وقال تعالى : { تعرج الملائكة والروح } {المعارج : 4 } .
وقال لعيسى : { إني متوافيك ورافعك إلي } {آل عمران : 55 } .
وقال عنه : { بل رفعه الله إليه } { النساء : 158} .
وقال سبحانه وتعالى : { يخافون ربهم من فوقهم } {النحل : 50 } .
وأخبر سبحانه عن فرعون فقال : { ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً } { غافر :36 – 37 } .

وقد تأول السقاف قوله تعالى : { إني متوفيك ورافعك إلي } ، فقال في كتابه (( إلقام الحجر ))(ص:16) : ( المقرر أن علو الله تعالى علو معنوي كما أثبت ذلك الحافظ في الفتح 6/136) .
وقال فيما علقه على كتاب قواعد العقائد من كتاب الإحياء للغزالي ، والذي نشره باسم (( عقيدة أهل السنة والجماعة ))(ص:33) :
( جميع الآيات والأحاديث التي ظاهرها جهة السماء المراد منها العلو المعنوي والفوقية القهرية ، والعرب الذين جاء القرآن بلغتهم إذا أرادوا وصف أي شيء بالعظمة والرفعة والكبرياء يشيرون في تعظيمه إلى جهة السماء ، وإلى العلو المعنوي كما هو مشهور ، فالعلو المراد بالفوقية ونحوها هو من جهة المعنى وليس من جهة الحس في حق المولى تبارك وتعالى ) .

قلت : إثبات العلو لله سبحانه والفوقية له عز وجل بذاته وصفاته ليس معناه التشبيه ، ولا يعني أن يرد عليه النقص بإثبات هذه الصفة فهو سبحانه فوق عباده بذاته وصفاته بغير كيف ، مع اعتقاد الكمال المطلق ، والتنزيه عن النقص والعيب .
? وأما أدلة إثبات الصفة العلو من السنة ، فكثيرة جداً ، نذكر منها :

1 – حديث الجارية الذي حكم عليه بشذوذ لفظه :
وهو عند مسلم في (( صحيحه )) وغيره ، عن معاوية بن الحكم السلمي ، قال : كانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أُحد والجوانية ، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها ، وأنا رجل من بني آدم ، آسف كما يأسفون ، لكني صككتها صكة ، فأتيت رسول الله ? ، فعظم ذلك علي ، قلت يا رسول الله !! أفلا أعتقها ؟ قال : (( ائتني بها )) ، فأتيته بها ، فقال لها : (( أين الله ؟ )) قالت في السماء ، قال : (( من أنا ؟)) ، قالت : أنت رسول الله ، قال : (( أعتقها فإنها مؤمنة )) .
قال السقاف في (( عقيدة أهل السنة والجماعة )) !! (ص:36) :
( وقد صح حديث الجارية بلفظ : (( أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال نعم )) ونحن نقول : هذا هو الثابت عنه ? ، ولفظة (( أين الله )) لا تثبت لأنها مروية بالمعنى ) .
وقال في تعليقه على (( دفع شبه التشبيه )) لابن الجوزي (ص:186) :
( قد خالف كثير من الحفاظ في مصنفاتهم هذا اللفظ الذي جاء في ((صحيح مسلم)) فروه بلفظ :
(( قال أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ فقالت : نعم ، قال : أتشهدين أني رسول الله ؟ قالت : نعم ، قال : أتومنين بالبعث بعد الموت ؟ قالت : نعم ، قال : فأعتقها )) .
رواه أحمد في (( مسنده ))(3/452) ، وقال الهيثمي في (( المجمع ))(4/244) : رجاله رجال الصحيح ، وعبد الرزاق في (( المصنف ))(9/175)، والبراز (1/14كشف ) ، والدرامى (2/187) والبيهقي (10/57) ، والطبراني (12/27) وسنده صحيح ، وليس فيه سعيد بن المرزبان كما قال الهيثمي ، وابن الجارود في (( المنتفي))(931) ، وابن أبي شيبة (11/20)) .

 قلت : وهذا الكلام فيه تدليس عريض ، فظاهره أن الاختلاف في اللفظ دون السند ، فكأنه يشير بذلك إلى أنه اختلف في متن هذا الحديث على أحد رواة السند ، فرواه جماعة عنه بلفظ مسلم ، وجماعة آخرون باللفظ الآخر ، وهذا غير صحيح .
فما أورد من تخريج هذا اللفظ فلأحاديث عدة بأسانيد مختلفة .
وسوف أذكرها لك أخي القارئ ، حتى ترى أي درجة من التدليس وصل إليها السقاف .
? أما الحديث الأول :
فالذي أخرجه عبد الرزاق في (( مصنفه ))(9/175) – ومن طريقه الإمام أحمد في ((المسند ))(3/452) وابن الجارود (931) -:
عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، عن رجل من الأنصار ، جاء بأمة سوادء إلى النبي ? ، فقال : يارسول الله ، إن علي رقبة مؤمنة ، فإن كنت ترى هذه مؤمنة ……الحديث .
وأخرجه البيهقي في (( الكبرى ))(10/57) من طريق :
يونس بن يزيد ، عن الزهري به .
 قلت : وهذا الإسناد معلول بجهالة صحابية ، فإن قيل ما وجه إعلاله بذلك ، والصحابة كلهم عدول ؟ فالجواب : أنه لم يرد في طريق من طرق الحديث ما يدل على أن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة قد سمعه من هذا الأنصاري ، فلعله لم يسمع منه ، وكما قال السقاف :
(( متى طرأ الاحتمال سقط الاستدلال )) .
وقد استظهر البيهقي في هذه العلة ، فقال عقب إخراجه هذا الحديث :
(( هذا مرسل )) .
 وأما الحديث الثاني :
فما أخرجه البراز في (( مسنده ))(13/كشف ) والطبراني في (( الكبير ))(12/27) من طريق :
ابن ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
أتى رجل النبي ? ، فقال : إن على أمي رقبة ، وعندي أمة سوداء ….الحديث .
قلت : وهذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، وعجباً للسقاف كيف صحح الإسناد ؟!! .
? وأما الحديث الثالث :
فهو الحديث الذي أشار إليه عند الدارمى (2348) من طريق :
حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن الشريد ، قال : أتيت النبي ? فقلت : إن على أمي رقبة ، وإن عندي جارية سوداء نوبية ، أفتجزي عنها ؟ قال : ادع بها ……..الحديث .
 قلت : وهذا الحديث دليل قاطع على تدليس السقاف ، فحديث مسلم إنما هو من رواية معاوية بن الحكم ، مما يدل على الواقعتين مختلفتان ، وأن واقعة الشريد في التفكير عن أمه ، وبها يفسر الحديثان السابقان ، وأما واقعة معاوية بن الحكم فتختص بعتقها لأنه صكها على وجهها .
فلا أدري كيف يُشذذ لفظة في حديث ورد في واقعة معينة بحديث آخر في واقعة أخرى ؟!!
 وما أجود ما علقه شيخنا عبدالله بن يوسف الجديع على من يعل الحديث باختلاف اللفظ من أهل البدع .
قال حفظه الله – في تعليقه على (( ذكر الاعتقاد )) لأبي العلاء بن العطار (ص:75) :
(( من زعم الاختلاف في متنه فلم يصب ، لأنه احتج لما ذهب إليه بروايات أحسن مراتبها الضعف ، على أنها عند التحقيق لا تُعد اختلافاً ، وإنما أراد بعض أهل البدع التعليق بهذا لإبطال دلالة هذا الحديث على اعتقاد أهل السنة من أن الله فوق خلقه وأنه في مكان .
كذلك تشكيك بعض أهل الزيغ في ثبوت هذا الحديث في (( صحيح مسلم )) هو أوهي من بيت العنكبوت لمن علم وفهم وأنصف ، وشبهات أهل البدع لم تسلم منها آيات الكتاب فكيف تسلم منها السنن ؟؟!)) .
? وأخيراً أقول للسقاف :
قد ورد في القرآن الكريم ما يشهد لحديث الجارية ، ألم تقرأ قوله تعالى :
{ أأمنتم من السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير } {الملك : 16-17} .
? ومما يدل على علو الله عز وجل أيضاً :
الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج ، ومعراجه ? إلى السماوات العُلا ، وتردده بين الله سبحانه وتعالى وبين موسى عليه السلام في أمر الصلاة .
وفي الباب أحاديث أخرى صحيحة تثبت صفة العلو وذكرها مبسوط في كتب أهل العلم ، ولكن كان الاهتمام بذكر ما أعله السقاف منها .


الجزء العشرون

أقوال أهل العلم الدالة على ثبوت صفة العلو للواحد القهار

وإليك أقوال أهل العلم الدالة على إثباتهم العلو لله سبحانه بذاته وصفاته .

  عبدالله بن المبارك – رحمه الله - : عن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سألت عبدالله بن المبارك : كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا عز وجل ؟ قال : على السماء السابعة على عرشه ، ولا نقول كما تقول الجهمية : أنه هاهنا في الأرض . أخرجه عبدالله في (( السنة ))(22) ، والدارمى في (( الرد على الجهمية ))( ص: 23) ، والبيهقي في (( الأسماء والصفات ))(ص:427) وسنده صحيح . وأورده البخاري جازماً به في كتاب ((خلق أفعال العباد ))(14).

? لإمام مالك بن أنس – رحمه الله - : قال – رحمه الله - : الله عز وجل في السماء ، وعلمه في كل مكان ، ولا يخلو من علمه مكان . رواه أبو داود في (( المسائل ))(ص:263) ، وعبدالله في (( السنة )) ، والآجرى في ((الشريعة ))(ص:289) ، من طريق : الإمام أحمد ، عن سريج بن النعمان ، عن عبدالله بن نافع ، عن الإمام مالك به . وسنده حسن ، فعبدالله بن نافع الصائغ في حفظه لين ، إلا أنه صحيح الكتاب ، وحديثه عن الإمام مالك لا ينزل عن درجة الحسن .

? الحسن بن موسى الأشيب : قال : الجهمي إذا غلا قال : ليس ثم شئ – وأشار إلى السماء - . أخرجه الإمام البخاري في (( خلق أفعال العباد ))(69) بسند صحيح .

? حماد بن زيد : عن سليمان بن حرب قال : سمعت حماد بن زيد – وذكر هؤلاء الجهمية – قال : إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء . رواه عبدالله في (( السنة ))(41) ، وابن أبي حاتم في (( الرد على الجهمية )) كما في ((العلو)) للذهبي (ص:106-107) . وسنده صحيح .

? الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - : عن يوسف بن موسى البغدادي أنه قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل : الله عز وجل فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه ، وقدرته وعمله في كل مكان ؟ قال : نعم على العرش ، وعلمه لا يخلو منه مكان . أورده اللالكائي (3/401) معلقاً ، وعزاه ابن القيم في (( اجتماع الجيوش ))(ص:123) إلى الخلال في كتاب السنة ، فعلى هذا يكون سنده صحيحاً ، فيوسف بن موسى هذا له ترجمة في (( تاريخ بغداد ))(14/308) ذكر فيها رواية الخلال عنه وثناؤه عليه وهو صاحب مسائل عن الإمام أحمد .


الجزء الواحد والعشرون

 معنى قول أهل السنة والجماعة : إن الله في السماء

إثبات أهل السنة لصفة العلو ، واحتجاجهم بحديث الجارية على أن الله في السماء ، ليس معناه إثبات الحلول له ، تعالى عن ذلك عز وجل ، وإنما عنوا بـ ((في)) أي: ((على)) . وليس هذا تأويلاً كما ادعى السقاف ، بل له نظائر في القرآن الكريم : قال تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي : على جذوع النخل .

قال شيخنا العلامة المحدث المفيد عبدالله بن يوسف الجديع حفظه الله قي تعليقه المُنيف على كتاب (( ذكر الاعتقاد ، وذم الاختلاف )) لأبي العلاء بن العطار – رحمه الله – (ص:30) : (( الحق أن الله تعالى له جهة العلو ، وأنه مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، وقول من قال من السلف والأئمة : إن الله في السماء إنما أراد حكاية القرآن : { أأمنتم من في السماء } وما ورد في حديث الجارية ونحو ذلك ، وليس معنى ذلك عندهم على الظرفية ، بل إن نصوص الفوقية والاستواء والعلو مفسرة ، لكون ( في ) بمعنى على ، وذلك نظير قوله تعالى : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } )) .

قلت : وهذا يؤيده ما ذكره الذهبي في (( الأربعين في صفات رب العالمين ))(ص:87) حيث قال : (( ورد أنه – عز وجل – في السماء ، و ( في ) ترد كثيراً بمعنى ( على ) ، كقوله تعالى : { فسيحوا في الأرض } {التوبة :2} . أي : على الأرض . { ولأصلبنكم في جذوع النخل } {طه : 71} . أي على جذوع النخل ، فكذلك قوله : { أأمنتم من في السماء } {الملك :16} . أي : من على السماء )) .


 الجزء الثاني والعشرون

طعن السقاف وشيخه عبدالله الغماري في حماد بن سلمة للطعن في أحاديث الصفات

وقد سلك السقاف وشيخه عبدالله بن الصديق الغماري مسلك أهل البدع قبلهم في الطعن في أحاديث الصفات بالطعن في حماد بن سلمة – رحمه الله – الثقة الرضضي لنه روى جملة كبيرة من أحاديث الصفات ، حتى قالوا : عن شيطاناً ألقاها إليه ليضل بها أهل الحق ، ونسبوا هذا القول إلى إبراهيم بن عبد الرحمن ابن مهدي .

 وأصل هذه القصة : وما أخرجه ابن عدي في (( الكامل ))(2/676) : عن الدولابي قال : حدثنا أبو عبدالله محمد بن شجاع بن الثلجي ، أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كان حماد بن سلمة لا يُعرف بهذه الأحاديث حتى خرج خرجة إلى عبادان ، فجاء وهو يرويها ، فلا أحسب إلا شيطاناً خرج إليه في البحر فألقاها إليه . وهذه قصة موضوعة ملفقة ، وضعها أبن الثلجي الكذاب ، فهو جهمي ضال خرب القلب ، كان يضع الحديث .
قال ابن عدي : (( كذاب ، وكان يضع الحديث ويدسه في كتب أصحاب الحديث بأحاديث كفريات )) .
وكان يفعل ذلك ليثلبهم ، ويلحق بهم في النقص .
والعدل والقسط في الحكم على أحاديثه التي رواها في الصفات ما ذكره شيخنا الجديع – حفظه الله - ، قال (23) :
(( ما صح سنده إليه وجب قبوله والإيمان به إن أسنده بالسند الصحيح ، وأهل البدع يجهلون طرق الحديث والمعرفة برواته ، ويتبعون الشبهات ، ولو أنهم علموا وتثبتوا وأخلصوا في النية لبان لهم أن ما ورد به الخبر الصحيح موافق لما ورد به القرآن ، ويحتذي فيه حذوه ، ولكن القوم عموا وصمّوا ، وتمكنت منهم الأهواء )) .
قلت : وقد صرح عبدالله الغماري بالطعن في في حماد بن سلمه في كتابه (( فتح المعين ))(ص:20) حيث قال :
(حماد بن سلمة وإن كان ثقة ، فله أوهام ، كما قال الذهبي ، ولم يخرج له البخاري ، ومن أوهامه ما رواه عن عكرمة ، عن ابن عباس : (( رأيت ربي جعداً أمرداً عليه حلة خضراء )) وروى عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر في لؤلؤ ، قدميه أو رجليه في خضرة ، قال الذهبي في الميزان ، فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة وهذه الرؤية منام إن صحت ) .
وقد علق السقاف على كلام شيخه هذا في الحاشية بقوله :
( وأقول : حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات البتة ، لأن ربيبيه كانا يدسان في كتبه ما شاءا ، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/452) : إلا أنه طعن في السن ساء حفظه … فالاحتياط أن لا يحتج به فيما يخالف الثقات أ . هـ كلام الذهبي .
قلت : فما بالك برواياته التي يخالف بها نصوص التنزيه في الكتاب والسنة !! فتدبر ) .

 قلت : أما كون البخاري لم يخرج من لحماد بن سلمة فقد أخذ عليه ذلك ، فقد أخرج عن قوم دونه في الضبط والإتقان .
قال الحافظ الذهبي في (( الميزان ))(1/594) :
(( نكت ابن حبان على البخاري ، ولم يسمعه حيث يحتج عبد الرحمن بن عبدالله بن دينار ، وبابن أخي الزهرى ، وبابن عياش ، ويدع حماداً )) .
 قلت : والأصح أن يُقال : إن البخاري لم يمتنع عن إخراج حديثه مطلقاً ، بل له حديث عند البخاري في (( الصحيح )) .
قال الحافظ الذهبي في ترجمة حماد بن سلمة من (( السير ))(7/446) :
(( تحايد البخاري إخراج حديثه ، إلا حديثاً خرجه في الرقاق ، فقال : قال أبو الوليد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس عن أبُي )) .
وعدم إخراج البخاري له كما زعم شيخ السقاف فليس بقادح فيه ، فالبخاري لم يشترط أن يخرج حديث الثقات جميعاً كما يعلم المبتدئ من طلاب العلم ، فإقحام مثل هذا القول عند الكلام على حماد بن سلمة دون ذكر الجواب عنه إنقاص من قيمته ، وإنزال من رتبته ، وهو من هو من الحفظ والضبط والإتقان ، وأقوال أهل العلم شاهدة على ذلك .
وأما قول السقاف : (حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات ألبتة ، لأن ربيبيه كانا يدسان في كتبه ماشاءا ) .
فمتناقض …
فكيف تقبل أحاديثه في غير الصفات ، وترد أحاديثه في الصفات مستدلاً على نحو ذلك بخبر موضوع وحكاية ملفقة .
إنما مستندك في ذلك :
ما رواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/676) بالسند السابق ذكره إلى ابن الثلجي ، قال : سمعت عباد بن صهيب ، يقول : إن حماد بن سلمة كان لا يحفظ ، فكانوا يقولون ، إنها دست في كتبه ، وقد قيل : إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه ، فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث .
وابن الثلجي كذاب كما مر ذكره .
وأما الأحاديث التي أوردها الغماري من رواية حماد بن سلمة في الرؤية ، ليطعن بها فيه ، فليس فيها ما يدل على أن الحمل عليه فيها ، فهو لم يتفرد برواية هذه الأحاديث من جهة :
قال الحافظ أبو أحمد بن عدي في (( الكامل ))(2/678) عقب روايته أحاديث الرؤية من طريق حماد :
(( هذه الأحاديث التي رويت عن حماد بن سلمة في الرؤية ، وفي رؤية أهل الجنة خالقهم ، قد رواها غير حماد بن سلمة ، وليس حماد بمخصوص به فينكر عليه )) .
ومن جهة أخرى فهي غير محفوظة عنه باللفظ المذكور .
وأما قول الذهبي : (( فهذا من أنكر ما أتى به حماد بن سلمة )) .
 فالجواب عنه من وجوه :
الأول : أن الحديث بهذا التمام الذي ذكره الذهبي منكر ، غير محفوظ عن حماد بن سلمة ، فالآفة فيه من غيره .
 تفصيل ذلك :
أن الحديث صحيح من حديث حماد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ : (( بلفظ ربي عز وجل )) .
فقد أخرجه بهذا اللفظ :
الإمام أحمد ( 1/285) : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، بإسناده ومتنه .
وأخرجه من طريقه : أبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة ))(1/509) . وقد اختلف في متنه على أسود بن عامر .
فرواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/677) من طريق : النضر بن سلمة شاذان ، حدثنا الأسود بن عامر ، بسنده ، بلفظ : (( أن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ ، قدميه ، أو قال : رجليه في خضرة )) .
وهذا سند واه بمرة ، آفته النضر بن سلمة – شاذان – قال أبو حاتم : (( كان يفتعل الحديث )) .
وقال عبدان : سألنا عباس العنبري عن النضر بن سلمة ، فأشار إلى فمه ، قال ابن عدي : (( أراد أنه يكذب )) .
ولكن رواه ابن عدي في (( الكامل ))(2/677) ، والدار قطنى في (( الرؤية ))(300) كلاهما عن الحسن بن علي بن عاصم ، حدثنا إبراهيم بن أبي سويد الذراع ، حدثنا حماد بن سلمة بإسناده .
ولفظه عند ابن عدي : (( رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء )) .
ولفظه عند الدار قطنى : (( رأيت ربي في أحسن صورة )) .
قلت : وهذا إسناد تالف ، آفته الحسن بن علي بن زكريا بن صالح بن عاصم ، وله ترجمة في (( تاريخ بغداد ))(7/382) .
قال ابن عدي : (( أبو سعيد الحسن بن علي العدوي يضع الحديث ، ويسرق الحديث ، ويلزقه على قوم آخرين ، ويحدث عن قوم آخرين ، ويحدث عن قوم لا يعرفون ، وهو متهم فيهم ، وإن الله لم يخلقهم ، وعامة ما حدث به – إلا القليل – موضوعات ، وكنا نتهمه بل نتيقنه أنه هو الذي وضعها )) ، وقال الدار قطنى : (( متروك )) ، وقال ابن حبان : (( لعله قد حدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات ما يزيد على ألف حديث )) .
ورواه ابن عدي من طريق : محمد بن رزق الله موسى ، حدثنا السود ابن عامر ….. بسنده وبلفظ :
(( رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء )) .
قلت : ومحمد بن رزق الله بن موسى هذا قد أطلت البحث عنه فلم أعرفه ، ولا أظنه الذي ترجمه الخطيب في (( تاريخ بغداد ))(5/27) باسم محمد بن رزق الله الكلوذاني .
ورواه ابن عدي من طريق محمد بن رافع ، حدثنا الأسود بن عامر بسنده وبلفظه حديث الحسن بن علي بن عاصم .
ومن طريقه البيهقي في (( الأسماء والصفات ))(ص:444) .
ومن طريق الذهبي في (( السير ))(10/113) ، وقال :
(( وهو خبر منكر )) .
قلت : لاشك في ذلك ، والحمل فيه على محمد بن رافع ، فهذه الزيادة في هذا الحديث قد تفرد بها عن الأسود ، وخالفه الإمام أحمد فرواه عن الأسود من غير زيادة ، ومحمد بن رافع وإن كان ثقة إلا أنه دون الإمام أحمد في الحفظ والضبط والإتقان ، فهذه الزيادة منكرة كما ترى .
فإن قيل : ولكن رواه غيره عن الأسود بهذه الزيادة ؟
فالجواب : إن الطرق ضعيفة إلى الأسود كما سبق أن ذكرنا بل بعضها تالفة واهية .
وقد رواه غير الأسود عن حماد ، فلم يذكر هذه الزيادة ، مما يدل على أن حماداً لم يحدث بهذا الحديث على هذا الوجه المنكر .
فالحديث قد أخرجه الآجرى في (( الشريعة ))(ص :494) حدثنا أبو بكر بن أبي داود ، قال : حدثنا الحسين بن كثير العنبري ، قال : حدثنا أبي ، قال :حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مرفوعاً :
(( رأيت ربي عز وجل )) .
وسنده صحيح .
رواه الإمام أحمد (1/290) ، وابن أبي عاصم في (( السنة ))(433) وابن عدي (2/677) من طريق : عفان ، حدثنا عبد الصمد بن كيسان ، حدثنا حماد بن سلمة بالسند والمتن السابق.
ولكن رواه الخطيب في (( تاريخه ))(11/214) من طريق : عمر ابن موسى ابن فيروز ، حدثنا عفان ، فذكره بإسناده ولكن زاد :
(( صورة شاب أمرد عليه حلة حمراء )) .
 قلت : وهذه زيادة منكرة ، تفرد بها عمر بن موسى بن فيروز التوزى ، وهو مستور ، ذكره الخطيب في ((تاريخه ))(11/214) ولم يورد فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وقد خالف كلاً من الإمام أحمد بن حنبل ، وحنبل بن إسحاق ، وفضل ابن سهل ، فرووه من غير هذه الزيادة .
ولكن في هذا الإسناد عبد الصمد بن كيسان ، قال الحافظ في ((تعجيل المنفعة))(ص:26):
(( عبد الصمد بن كيسان : عن حماد بن سلمة ، وعنه عفان ، فيه نظر ، قلت : أظنه الأول ، تصحف اسمه )) .
يقصد بذلك عبد الصمد بن حسان ، وهو صدوق حسن الحديث كما يظهر من ترجمته في (( التعجيل )) ، فقد وثقه ابن سعد ، وقال أبو حاتم : ((صالح الحديث ، صدوق)) ، وقال الذهبي : (( صدوق إن شاء الله )) .
فهذا يدلك على أن ما ورد في المتن من نكارة إنما هو من قلة ضبط من روى الحديث عن الأسود بن عامر ، وليس هو بمحفوظ بهذا المتن المنكر عن حماد بن سلمة ، وإنما المحفوظ عنه من حديثه ، لفظ :
(( رأيت ربي عز وجل )) .
وهذا الحديث قد صححه جماعة من الحفاظ منهم الإمام أحمد بن حنبل ، وأبو زرعة الرازي ، وغيرهما .
ففي (( رسالة عبدوس بن مالك العطار عن الإمام أحمد )) رحمه الله (ص:58) ، قال :
(( أصول السنة عندنا :…… والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روى عن النبي ? من الأحاديث الصحاح ، وأن النبي ? قد رأى ربه ، فإنه مأثور عن رسول الله ? ، صحيح ، رواه قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، ورواه الحكم ابن أبان ، عن عكرمة عن ابن عباس ، ورواه علي بن الزيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس )) .
وقال عبدالله بن الإمام أحمد في (( السنة ))(584) :
(( رأيت أبي رحمه الله يصحح هذه الأحاديث أحاديث الرؤية ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا بها )) .
وروى الضياء في (( المختارة )) عن أبي زرعة الرازي ، قال (24) :
(( وحديث قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس صحيح ، ولا ينكره إلا معتزلي )) . يعتني باللفظ المختصر .
ولا يتوهم – كما يحاول أن يبث السقاف في روع القراء – أن أهل السنة والجماعة يثبتون الحديث بهذه الزيادة المنكرة الواردة فيه ، والتي سبق أن بينا أن الحمل فيها على من هو دون حماد بن سلمة وليست الآفة منه .
والوجه الثاني : أن قول الذهبي هذا مجمل ، وليس بحجة على أن الحمل في هذا الخبر عند الذهبي على حماد بن سلمة لأنه لما روي هذا الحديث في ((السير))(10/113)،قال :
(( خبر منكر نسأل الله السلامة في الدين فلا هو على شرط البخاري ، ولا مسلم ، ورواته وإن كانوا غير مهتمين ، فما هم بمعصومين من الخطأ والنسيان )) .
والوجه الثالث : أننا لو سلمنا بصحة أسانيد هذا الخبر – بهذه الزيادة – إلى حماد بن سلمة ، فكيف تغاضى السقاف عن عنعنة قتادة بن دعامة السدوسي وهو عنده وعند شيوخه مدلس ، ولو تعاضى عن هذه العلة فاين من أعل هذه الرواية بعكرمة ؟!
قال البيهقي في (( الأسماء والصفات )) : (( وقد حمل غيره من أهل النظر في هذه الرواية على عكرمة مولى ابن عباس )) .
 قلت : ونحن لا نحاول دفع التهمة عن حماد ، لنصيب بها غيره ، وإنما غايتنا أن السقاف إنما تغاضى عن بيان هذه العلل كلها حتى يسلم له اتهام حماد بن سلمة ، كما هو الحال عند أسلافه من المعتزلة .
والسقاف متناقض ..
فتارة يوثق حماد بن سلمة في غير أحاديث الصفات ، فيقول – كما مر ذكره - :
( حماد بن سلمة إمام ثقة ، لكن لا ينبغي أن تقبل أخباره في الصفات ألبتة ) .
ثم يأتي في موضع آخر من قراطيسه – وهو تعليقه على (( دفع شبه التشبيه ))(ص :19) – فتدفعه عقيدته الاعتزالية إلى الطعن فيه بشدة فيقول :
( نحن نغمز حماد بن سلمة أشد الغمز ، خصوصاً في أحاديثه في الصفات ).
وتراه يتعالم بخبث طوية ، فيقول (ص : 178-179) :
( حماد بن سلمة ضعفه مشهور ، وإن كان من رجال مسلم ، وقد تحايده البخاري ، كما في (( الميزان ))(1/594) في ترجمته ) .
فلا أدري كيف يقول في موضع : (( إمام ثقة )) ، ثم يتناقض نفسه في موضع آخر فيقول : (( ضعفه مشهور )) .
والأغرب من ذلك أن يعل حديث أبي رزين العقيلي مرفوعاً :
(( كان علماء ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق عرشه على الماء )) ،بحماد بن سلمة وفيه من هو أوهي منه .
قال (ص : 189) :
(وهذا حديث ضعيف لأجل حماد بن سلمة ، ولا تقبل أخباره في الصفات ألبتة ، وكذلك يضعف هذا الحديث بوكيع بن عدس ، لأنه مجهول لم يرو عنه إلا يعلى بن عطاء) .
 قلت : فقدم إعلال الحديث بحماد مع أن فيه من هو أضعف منه – وهو وكيع – ووكيع هذا قد حدث بالحديث قبل حماد ، فالآفة فيه منه ، وليست من حماد ، ولكن دفعه إلى ذلك مادفع المعتزلة من قبله إلى الطعن في حماد .
ولن أكلف نفسي الجهد في جمع أقوال أهل العلم في تعديل وتوثيق حماد ابن سلمة فهي كثيرة جداً ، ومبسوطة في ترجمته في كتب الرجال و (( السير )) للذهبي ، حتى عُد حبه من علامة اتباع السنة ، وبغضه والقيعة فيه من علامة البدعة .

 


الجزء الثالث والعشرون

طعن السقاف في محمد بن إسحاق بن يسار صاحب (( السير ))

 

ولكن : هل اكتفى السقاف بالطعن في حماد بن سلمة فقط ؟ لا ، بل أيضاً في محمد بن إسحاق بن يسار صاحب (( السير )) وذلك لأنه روى حديثاً يخالف معتقد السقاف . قال السقاف في تعليقه على (( دفع شبه التشبيه ))(ص: 267) : ( محمد بن إسحاق عنعن هذا الحديث ولا حجة بحديثه إذا عنعن عند من يحسن حديثه ، والحقيقية أنه قد كذبه وطعن فيه جماعة من كبار الأئمة كما في ترجمته في (( التهذيب ))(9/34فكر ) ، فقد طعن فيه الإمام أحمد بن حنبل وكذبه الإمام مالك أيضاً ، وسليمان التيمي ، ويحيى القطان ، ووهيب بن خالد وهؤلاء من أئمة هذا الشأن ) .

 قلت : ولن أجيب على كلام السقاف السابق طعما في تصحيح الحديث الذي رواه ابن إسحاق ، بل للإنصاف وللأمانة العلمية وللعدل في القول الذي يجب على كل طالب علم أن يحرص عليه ، فقد قال تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً } {النساء :58} . وابن إسحاق هذا حافظ كبير ، عليه مدار أحاديث كثيرة في الأحكام ، وفي السير ، وفي غيرهما ، والتسرع في الحكم عليه ، أو تلفيق حكم زائغ عليه ، بلية من البلايا . وسوف أكتفي بالإجابة عما أورده السقاف من دعوى طعن أهل العلم فيه بما يرد حديثه .


الجزء الرابع والعشرون

((الجواب عما أورده السقاف من أسباب رد حديث ابن إسحاق مطلقاً ))

أما قوله : (وكذبه الإمام مالك أيضاً ، وسليمان التيمي ، ويحيى القطان ، ووهيب بن خالد ، وهؤلاء من أئمة هذا الشأن ) . فإنه لم يورد ما أجيب به عما ذكره من تكذيب سليمان التيمي ، ويحيى القطان ، ووهيب ، ففي (( التهذيب )) – ومنه نقل السقاف - : (( وقال ابن المديني : ثقة ، لم يضعه عندي إلا روايته عن أهل الكتاب ، وكذبه سليمان التيمى ، ويحيى القطان ، ووهيب بن خالد ، فأما وهيب والقطان فقلدا فيه هشام بن عورة ، ومالكاً ، وأما سليمان التيمى ، فلم يبين لى لأي شئ تكلم فيه ، والظاهر أنه لأمر غير الحديث ، لأن سليمان ليس من أهل الجرح والتعديل )) .

 قلت : فهذا دال على أن قول سليمان التيمي فيه لا يضره بنص حافظ كبير وإمام جهبذ في الجرح والتعديل وهو ابن المديني .
وأما دعوى تكذيب وهيب بن خالد ويحيى القطان فمستندها قصة موضوعة ، وأصلها :
ما أخرجه العقيلي في (( الضعفاء ))(4/24) ، وابن عدي في (( الكامل ))(6/2117) من طريق :
عبد الملك بن محمد ، حدثني سليمان بن داود ، قال : قال لي يحيى بن سعيد القطان : أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب ، قال : قلت : وما يدرك ؟ قال : قال لي وهيب بن خالد ، فقلت لوهيب : ما يدريك ؟ قال : قال لي مالك بن أنس ، فقلت لمالك بن أنس : ما يدريك ؟ قال : قال لي هشام بن عروة ، قال : قلت لهشام بن عورة : وما يدريك : قال : حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر ، وقد دخلت علي وهي بنت تسع سنين ، وما رآها حتى لقيت الله عز وجل .
والإجابة عن هذه القصة من وجهين :
الأول : أن هذه القصة مختلفة موضوعة ، والمتهم بها سليمان ابن داود الشاذكوني ، وقد انتقدها الذهبي في (( سير أعلام النبلاء ))(7/49) ، فقال :
(( معاذ الله أن يكون يحيى وهؤلاء بدا منهم هذا بناء على أصل فاسد واه ، ولكن هذه الخرافة من صنعة سليمان وهو الشاذكوني – لا صبحه الله بخير – فإنه مع تقديمه في الحفظ ، متهم عندهم بالكذب ، وانظر كيف سلسل الحكاية .
ويبين لك بطلانها أن فاطمة بنت المنذر لما كانت بنت تسع سنين لم يكن زوجها هشام خلق بعد ، فهي أكبر منه بنيف عشرة سنة ، وأسند منه ، فإنها روت كما ذكرنا عن أسماء بنت أبي بكر ، وصح أن ابن أبي إسحاق سمع منها ، وما عرف بذلك هشام ، أفبمثل هذا القول الواهي يكذب الصادق )) .
الثاني : أنه لو صحت هذه القصة فمستند التجريح والطعن في ابن إسحاق ضعيف ، فإن سماعه من فاطمة ثابت وإن نفاه هشام بن عروة ، وإن أقسم على ذلك كما ورد في بعض الأخبار عنه .
قال الذهبي في (( السير ))(7/38) :
(( هشام صادق في يمنيه ، فما رآها ، ولا زعم الرجل – ( أي ابن إسحاق ) – أنه رآها ، بل ذكر أنها حدّثته ، وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن )) .
 وأما تكذيب الإمام مالك لابن إسحاق :
فإنما هو من قبيل كلام القرآن بعضهم في بعض ، فقد وقع ابن إسحاق في مالك ، ووقع مالك في ابن إسحاق ، هذا إن صح أنه قد كذبه .
وقد تتبعت ما روى عن مالك في تكذيب ابن إسحاق فلم أجد ما يصح في ذلك ، وإنما أشد ما قال فيه : (( دجال من الدجاجلة )) ، ولا يقتضي هذا القول تجريحاً كما سوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

وأما الأخبار التي وردت في تكذيب مالك لا بن إسحاق ، فهي :

1 - ما رواه ابن عدي في (( الكامل ))(6/2116) : حدثنا ابن حماد ، حدثني أبو عون محمد بن عمرو بن عون الواسطى ، حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد ، حدثنا عفان ، عن وهيب ، قال : سمعت مالك بن أنس يقول : هو كذاب . قلت : وهذا إسناد ضعيف فيه شيخ ابن عدي ، وهو محمد بن أحمد بن حماد ، أبو بشر الدولابي ، قال ابن عدي : (( هو متهم فيما يقوله في نعيم بن حماد لصلابته في أهل الرأي )) ، وقال ابن يونس : (( كان يضعف )) ، وقال الدار قطنى : (( تكلموا فيه ، ما تبين من أمره إلا خير )) . ومحمد بن يحيى بن سعيد هو ابن القطان ، تفرد ابن حبان بذكره في (( الثقات ))(9/82) ، وأورده ابن أبي حاتم في (( الجرح والتعديل ))(1/4/123-124) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وأما ابن جحر فقال : (( ثقة )) ، فلا أدري ما مستند التوثيق عنده ، ولم يوثقه معتبر ؟!!

2 – ما رواه العقيلي في (( الضعفاء ))(4/24) : حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا إبراهيم بن زياد – سبلان - ، حدثنا حسين بن عروة ، قال : سمعت مالك بن أنس يقول : محمد بن إسحاق كذاب . قلت : وهذا الإسناد فيه : حسين بن عروة ، ضعفه الساجي والأزدي ، وقال أبو حاتم : (( لا بأس به )) . وقول أبي حاتم هذا معناه أن يكتب حديثه وينظر فيه ، أي انه لا يحتج به على إطلاقه ، كما بين ذلك ابنه في (( الجرح والتعديل ))(1/1/37) . والحسين بن عروة قد تفرد بهذه الحكاية عن مالك ، ولم يشاركه أحد من أصحاب مالك في حكايتها عنه ، فهل أسر بها مالك إليه ؟!! .
لقد تبين الإمام مسلم رحمه الله أن الرواي وإن كان ثقة أو صدوقاً إذا تفرد بحديث أو خبر عن حافظ كبير ، فلم يشاركه في هذا الخبر أحد من أصحاب هذا الحافظ ، كان تفرده بهذا الخبر منكراً مردوداً .
قال الإمام مسلم – رحمه الله – في مقدمة (( الصحيح ))(1/7) :
(( فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره ، أو لمثل هشام بن عروة ، وحديثها عند أهل العلم مبسوط مشترك ، قد نقل أصحابهما عنهما حديثها وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم ، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس )) .
ولكن صح عن مالك انه قال في ابن إسحاق : (( دجال من الدجاجلة )) .
وهذا الوصف لا يؤخذ منه جرح ، ولا يعول عليه خصوصاً وأنه قال هذا القول لما أخبر أن ابن إسحاق يقول : اعرضوا على علم مالك ، فإنى أنا بيطاره .
وقيل : إنه قال ذلك لما طعن ابن إسحاق في نسب الإمام مالك .
قال الذهبي في (( السير ))(8/711) :
(( وروي عن ابن إسحاق أن زعم أن مالكاً وآله موالي بني تيم ، فأخطأ ، وكان ذلك أقوى سبب في تكذيب الإمام مالك له ، وطعنه عليه )) .
ولو نظر السقاف إلى ترجمة ابن إسحاق في (( التاريخ الكبير )) للبخاري ، لوجد أن الإمام البخاري – رحمه الله – لم يورد فيه إلا التعديل ، ولم يورد فيه كلام الطعن وخصوصاً كلام مالك ، فكأنه لا يثبت عنده قول مالك بتكذيبه ، أو أن ذلك عنده لأمر غير الرواية ، فهو من قبيل كلام الأقران ، ولا يقبل كلام الأقران بعضهم في بعض .
يدل على ذلك ما نقله الذهبي في (( السير ))(7/4) ، قال :
(( قال البخاري : ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق ، فلربما تكلم الإنسان ، فيرمي صاحبه بشىء واحد ، ولايتهمه في الأمور كلها )) .
وقال الذهبي في (( الميزان ))(3/471) :
(( لم يذكر ابن إسحاق أبو عبدالله البخاري في كتاب الضعفاء له )) .
وقد نفى التهمة عن ابن إسحاق سفيان بن عيينة .
قال ابن أبي حاتم في (( الجرح والتعديل ))(2/3/192) :
حدثنا صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل ، حدثنا على بن المديني ، قال : سمعت سفيان بن عيينة سئل عن محمد بن إسحاق ، فقيل له : لم يرو أهل المدينة عنه ، قال :
جالست ابن إسحاق بضعاً وسبعين سنة ، وما يتهمه أحد من أهل المدينة ، ولا تقول في شيئاً .
وسنده صحيح .
وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري– فيما نقله الذهبي في((السير))(7/39)-:
(( الذي يذكر عن مالك في ابن إسحاق لا يكاد يُتبن )) .
وقال الذهبي في (( السير ))(7/44) :
(( وقال يعقوب بن سيبة : سألت علياً – يعني ابن المديني - : كيف حديث ابن إسحاق عندك ، صحيح ؟ فقال : نعم ، حديثه عندي صحيح ، قال : فكلام مالك فيه ؟ قال: مالك لم يجالسه ولم يعرفه ، وأي شيء حدث به ابن إسحاق بالمدينة ؟!! )).
وأما قول السقاف :
( طعن فيه الإمام أحمد ) .
فإنما حمل عليه الإمام أحمد لتدليسه ، وأما صرح بالسماع فيحتج به إذا لم ينفرد بمنكر .
وقد نقل الذهبي في (( الميزان ))(3/469) عن الإمام أحمد قوله :
(( حسن الحديث )) .
وفي (( بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم )) ليوسف بن حسن ابن عبد الهادي (ص:363) :
(( قال ابن إبراهيم – (أي إسحاق بن إبراهيم بن هانئ ) - :
قلت : محمد بن إسحاق في الزهرى ؟ قال هو ثقة ، ولكن معمر ومالك وهؤلاء أوثق منه )) .
وأما ما نقل عنه أنه قال : (( كان ابن إسحاق يشتهي الحديث ، فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه )) .
فلا يدل على جرح ، وقد أجاب عن ذلك الحافظ الذهبي في (( السير ))(7/46) ، فقال :
(( هذا الفعل سائغ ، فهذا الصحيح للبخاري فيه تعليق كثير )) .
 والقول العدل في محمد بن إسحاق :
ما قاله الإمام الذهبي في (( السير ))(7/41) :
(( له ارتفاع بحسبه ، ولا سيما في السير ، وأما في أحاديث الأحكام ، فينحط حديثه فيه عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن ، إلا فيما شذ فيه ، فإنه يعد منكراً هذا الذي عندي في حاله )) .
 قلت : وهذا الذي نأخذ به ، ولا نحتج بما لم يصرح فيه بالسماء ، فإنه مكثر من التدليس ، ولا نغالي فيه فنقول : صحيح الحديث ، بل هو حسن الحديث إذا لم يخالف أو لم يتفرد بأصل أو سنة لم يأت بها غيره من الثقات . والله الهادي إلى سواء السبي


الجزء الخامس والعشرون

إثبات رؤية الرب في الآخرة وتخبط السقاف في إثبات ذلك

وقد ذهب السقاف مذهب المعتزلة في نفي رؤية الرب عز وجل في الآخرة ، فقال في كتابه (( احتجاج الخائب بعبارة من ادعى الإجماع فهو كاذب ))(ص:39) : ( اعلم أولاً : أن الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – كذب عليه الناس كثيراً ، من ذلك ما في كتاب السنة المنسوب لابنه ، ذكر فيه أن الإمام أحمد يقول بجلوس الله تعالى على العرش ، وحاشاه من ذلك ، ولو ثبت هذا عنه فهو مردود عليه بنصوص الكتاب والسنة المنزهة للمولى تبارك وتعالى عن مشابهة الحوادث والمخلوقات ، { ليس كمثله شيء } وإني أنقل أحد تلك النصوص الفظيعة الشنيعة المثبتة في كتاب الزيغ المسمى بكتاب السنة ، فأقول : لو نظرنا ص:79 لوجدنا مانصه : ذكر الكرسي : سئل – أي أحمد – عما روى في الكرسي وجلوس الرب عليه . رأيت أبي ? يصحح هذه الأحاديث – أحاديث الرؤيا – ويذهب إليها وجمعها في كتاب وحدثنا به .. إلى آخر ذلك الهراء الوثنى ، ومقام الإمام أحمد يجل عن هذه الوثنية التي تشمئز منها الأرواح ) .

 قلت : بل هي سلفية تلين لها قلوب المؤمنين ، وتغلظ منها قلوب الزائغين أمثال السقاف المبتدع . والجواب عن هذا الكلام من وجوه :

الأول : أن كتاب (( السنة )) لعبد الله بن الإمام أحمد – رحمهما الله – الذي حاول السقاف الطعن في نسبته لمصنفه ثابت النسبة حاول السقاف الطعن في نسبته لمصنفه ثابت النسبة إلى عبدالله بن أحمد كما بيناه من قبل في هذا الكتاب ، وقد ذكرنا هناك كذب السقاف في تلفيق إسناد كتاب الرد على الجهمية لهذا الكتاب – (( السنة )) - .

الثاني : أننا لو سلمنا للسقاف أن هذا الكتاب غير صحيح النسبة لعبدالله بن الإمام أحمد ، فليس هذا معناه أن هذا النص غير ثابت عنه ، بل هو صحيح ثابت عن الإمام أحمد . فقد رواه ابن النجاد الفقيه – رحمه الله – في كتاب (( الرد على من يقول القرآن مخلوق )) . وفي (( مسائل إسحاق بن إبراهيم النيسابوري ))(2/152/1850) قال : (( سمعت أبا عبدالله يقول : من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي ، والجهمي كافر )) .

الثالث : أن أحاديث الرؤية الصحيحة المثبتة لهذه السلفية – ( أو وثنيتك التي تدعيها خيبك الله ) – كثيرة بلغت حد التواتر ، وهو مما يفيد العلم اليقيني عندك كما أثبت في غير موضع من كتبك . قال أبو الفيض الكتاني في (( نظم المتناثر من الحديث المتواتر ))(ص:153) بعد أن ذكر أحاديث الرؤية : (( وقال اللقاني في شرح جوهرته : أحاديث رؤية الله تعالى في الآخرة بلغ مجموعها مبلغ التواتر ، مع اتحاد ما تشير إليه ، وإن كان تفاصيلها آحاداً )) .

فلا أدري كيف يخالف السقاف في هذه المسألة ، مع صحة الأحاديث الواردة في فيه ، ومع إثبات صاحب جوهرته للرؤية . بل قال شيخه–المنسوب إليه–أبو الحسن الأشعري في ((رسالته إلى أهل الثغر))(ص:76): (( وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم )) .

وإليك أيها القارئ السلفي الأثري – وإليك أيضاً أيها السقاف المعتزلي – جملة مما صح في هذا الباب من أحاديث .

1 – حديث جرير بن عبدالله البجلي ? : قال : كنا جلوساً عند رسول الله ? ، إذا نظرنا إلى القمر ليلة البدر ، فقال :(( أما أنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها )) – يعني العصر والفجر – ثم قرأ جرير : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } {طه : 130} . أخرجه البخاري (1/105) ، ومسلم (1/4339) ، وأبو داود (4729) ، والترمذي (2551) ، والنسائي في (( الكبرى ))( تحفه : 2/427) ، وابن ماجة (177) من طريق : قيس بن أبي حازم ، عن جرير به .

2 – حديث أبي هريرة ? : قال : قال ناس : يارسول الله ! أنرى ربنا عز وجل يوم القيامة ؟ قال : (( هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة ؟!)) ، قالوا : لا ، قال : (( والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤية أحدهما )) . أخرجه مسلم (4/2279) ، وأبو داود (4730) من طريق : سفيان بن عيينة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة به .

3 – حديث أبي سعيد الخدري ? : قال :قلنا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : (( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحواً ؟ )) قلنا : لا ، قال : (( فإنما لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضرون في رؤيتهما )) . أخرجه البخاري (4/285) ، ومسلم (1/167) من طريق : عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد مطولاً .

4 – حديث صهيب بن سنان النمري ? : مرفوعاً : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال : يقول تبارك وتعالى ، تريدون شيئاً أزيدكم ، فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجينا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل )) . أخرجه مسلم (1/163) ، والترمذي (2552) ، وابن ماجة (187) من طريق : عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب به .

5 - حديث أبي موسى الأشعري ? : مرفوعاً : (( جنتان من فضة آنيتهما وما فيها ، جنتان من ذهب آنيتهما وما فيها ،وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)) . أخرجه البخاري (4/287) ، ومسلم (1/163) ، والترمذي (2528) ، من طريق : أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه به.

والعجيب حقاً : أن يتناقض السقاف : صاحب كتاب (( تناقضات الألباني ))؟!! – فيثبت حديث الرؤية في موضع آخر من كتبه . حيث قال في تعليقه على كتاب ابن الجوزي الجهمي (( دفع شبه التشبيه ))(ص:210) – تعليقاً على قول ابن الجوزي : (( كما وقع الشبه في رؤية الحق سبحانه برؤية القمر في إيضاح الرؤية لا في تشبيه المرئي )) -: قال السقاف : ( أي عندما قال ? في الحديث الصحيح : (( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته )) كان معنى كلامه : أي أنكم سترون ربكم ، وسوف لا تشكون هل الذي رأيتموه هو ربكم أم لا كما أنكم إذا رأيتم القمر فإنكم لا تشكون أن الذي ترونه هو القمر ليلة البدر ، وليس معنى ذلك أن الله يشبه البدر حاشاً وكلا )) . فانظر أيها اللبيب إلى هذا التناقض العجيب ، والتخبط الشديد في اعتقاد هذا الرجل.


 

الجزء السادس والعشرون

طعن السقاف المبتدع في السني ابن السني عبدالله بن الإمام أحمد ـ رحمهاالله ـ

والسقاف كعادته كثير الطعن في علماء أهل السنة والجماعة ، ولم يسلم منه أحد من أئمة السلف حتى عبدالله بن الإمام أحمد – رحمه الله – فقد قال في كتابه الخائب ((احتجاج الخائب ))(ص: 11) : (( فإذا علمت أنهم كذبوا على الإمام أحمد في كتب يدعون أن لها أسانيد صحيحة ، وأن عليها سماعات إلى غير ذلك من هذيان فارغ ، علمت أن هذه اللفظة ربما تكون من جملة تلك الكذبات أو الفريات وخصوصاً أنها من طريق ابنه عبدالله عنه ، ككتاب الزيغ )) .

فقوله : (( وخصوصاً أنها من طريق ابنه عبدالله عنه )) يدل على ما يكنه قلب هذا الحاقد من كره لأهل السنة والجماعة ، ومنهم عبدالله بن الإمام أحمد – رحمه الله - . وإذا علمت أنه تطاول بخبث وعنجهية وتكلم في معاوية بن أبي سفيان – ? - كاتب الوحي ، وخال المؤمنين ، فلا تستكبر بعد ذلك أن يتكلم في عبدالله بن الإمام أحمد ، أو حتى في الإمام أحمد نفسه ، أو غيره من أئمة السلف .


 

الجزء السابع والعشرون

بيان تلبيس السقاف في تضعيفه لحديث السبُحات الذي رواه مسلم والرد عليه

قال تعليقاً على الحديث الأول الذي رواه مسلم من رواية أبي موسى ? موفوعاً : (( إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام ، يخفض القسط ، ويرفعه . . .)) . إلى قوله : (( حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه )) . وفي تعليقه على كتاب ابن الجوزي (ص:200) : ( هذا الحديث من مشكل صحيح مسلم ، لما فيه من الألفاظ والمعاني الغريبة ، وقد أشار مسلم إلى عنعنة الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، وكان مدلساً كما هو معلوم ، فهذه رواية شاذة لا سيما وقد أشار مسلم بعدها إلى علة فيها ، ثم روى الحديث بعد ذلك بلفظ معقول شرعاً من طريق شعبة ، عن عمرو بن مرة بلفظ : (( إن الله لا ينام ، و لاينبغي له أن ينام ، يرفع القسط ويخفضه ، ويرفع إليه عمل النهار بالليل ، وعمل الليل بالنهار )) . فلفظ السبحات : لا يثبت ، ولا يجوز أن يجزم به صفة لله تعالى ، وخصوصاً أن الحافظ ابن الجوزى حكى عن أبي عبيدة : أنه لا يعرف السبحات في لغة العرب ، أي لم يسمعها إلا في هذا الحديث ) .

 قلت : وهذا الكلام على وهنه ووهائه فيه ما فيه من التلبيسات والتدليسات .

أولها : قوله : (وقد أشار مسلم بعدها إلى علة فيها ) .
? قلت : إنما قال مسلم عقب رواية هذا الحديث – وهو الأصل في الباب عنده ، ومابعده متابعات له ، والمتابعة ليس لها شرط الصحيح ، وإنما كتاب مسلم هذا في الصحيح وليس في العلل أيها المتهالك - : وفي رواية أبي بكر : (( عن الأعمش )) ولم يقل حدثنا . يقصد هنا : أبا معاوية الضرير ، فهو الذي لم يصرح بالسماع في رواية أبي بكر بن أبي شبية ، ولم يقصد بذلك عنعنة الأعمش على أنها علة كما لبّس السقاف ، وهذا من باب ذكر الاختلاف في الرواية ، وهو مما ميز صحيح مسلم على صحيح البخاري ، وقد صرح أبو معاوية بالسماع في الرواية الأخرى عند مسلم ، وهي رواية أبي كريب عنه . وصرح في رواية علي بن حرب عند أبي عوانة في (( المستخرج ))(1/145) .

ثانيها :محاولته إعلال الحديث بعنعنة الأعمش .
وهذا مردود من وجهين :
الأول :أن هذا الحديث قد رواه عن الأعمش ثلاث أنفس ، وهم : ابو معاوية ن وسفيان الثوري (25) ، وجرير ولم يختلف على الأعمش فيه ، مما يدل على أنه لم يدلسه .
الثاني : أن الأعمش لم يتفرد برواية هذا الحديث عن عمرو بن مرة بهذا اللفظ ، وغنما تابعه عليه المسعودى . أخرجه الإمام أحمد في (( المسند ))(4/400-401) ، وابن ماجة (196) من طريق : وكيع ، عن المسعودى به .
 قلت : والمسعودى ثقة اختلط ، إلا أن سماع وكيع منه قبل الاختلاط . قال الإمام أحمد – كما في (( العلل ومعرفة الرجال )) برواية عبد الله (1/325/575) - : (( سماع وكيع من المسعودى بالكوفة قديم وأبو نعيم أيضاً ن وغنما اختلط المسعودى ببغداد ، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد )) . فالحديث – على تقدير احتمال التدليس – بهذه المتابعة صحيح لا ريب في ذلك . ووصف السقاف لهذه الرواية بالشذوذ خطأ كبير ، وجهل واضح .

ثالثها : محاولته لإعلال هذه الرواية شعبة الناقصة . وهذا مخالف للقواعد الحديثية ، فإنما روى شعبة الشطر الأول من الحديث ، وتفرد الأعمش والمسعودى وهم الأكثر برواية الشطر الأول والشطر الثاني من الحديث ، والتفرد بالزيادة من الحافظ مقبولة ، فكيف إذا توبع ؟!!

رابعها : تحريفه لكلام أبي عبيدة حيث قال : (( لم نسمع هذا الأمر إلا في هذا الحديث )) . فقال السقاف : (الحافظ ابن الجوزى حكى عن أبي عبيدة أنه لا يعرف السبحات في لغة العرب ، أي لم يسمعها إلا في هذا الحديث ) .

 قلت : وهذا تدليس واضح ، بل كذب على أبي عبيدة ، فكلام أبي عبيدة لا يقتضي المعنى الذي ذكره السقاف فإنه يحتمل أنه لم يسمع هذا اللفظ في الأحاديث التي سمعها إلا في هذا الحديث ، وهذا لا يدل بأي حال من الأحوال على ضعف الحديث أو شذوذ اللفظة ، أو أن هذه اللفظة ليست في كلام العرب . *وهو كقول أبي هريرة ? في الحديث الذي أخرجه البخاري في((صحيحه))(2/252): والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ وما كنا نقول إلا المدية .


 

الجزء الثامن والعشرون

تشكيك السقاف في صحة نسبة بعض أحاديث مسند أحمد إليه

واتهامه الحنابلة بالدس في المسند

 

ومن بلايا هذا السخاف الطعن في دواوين السنة ، سواءً الصحاح أو المسند . فهذا هو مسند الإمام أحمد – وهو أحد الدواوين المشهورة في السنة – لم يسلم من طعن هذا السقاف المبتدع ، وكيف يسلم من تششكيكه ولم يسلم من بلاياه الصحيحان اللذان رد كثيراً من أحاديثهما مما تخالف عقيدته .

قال هذا الأفاك الأثيم في تعليقه على كتاب ابن الجوزى ( ص:18) عند الكلام على حديث : (( فضحك حتى بدت لهواته وأضراسه )) : ( هذه الزيادة المنكرة أنها من دس الحنابلة المجسمة ،لأنهم وخاصة رؤساؤهم متخصصون في الدس والوضع حتى في مسند الإمام أحمد بن حنبل الذي ينتسبون إليه كما سأذكر أحد براهين ذلك في فائدة خاصة آخر هذا التعليق ) . ثم قال : ( فائدة خاصة مهمة : ذكر الحافظ الذهبي في ((الميزان ))(2/624) والحافظ ابن حجر في (( لسان الميزان))(4/26: الهندية ) و(4/32دار الفكر ) ترجمة : عبد العزيز بن الحارث أبو الحسن التميمى الحنبلي ، وقالا فيها : (( من رؤساء الحنابلة ، وأكابر البغاددة ، إلا أنه آذى نفسه ووضع حديثاً أو حديثين في مسند الإمام أحمد . قال ابن رزقويه الحافظ : كتبوا عليه محضراً بما فعل ، كتب فيه الدار قطنى وغيره ، نسأل الله العافية والسلامة ) .

 قلت : هذا إن كان قد حدث من أحد الحنابلة فلم يحدث من غيره ، وإلا لما توانى هذا السقاف الخبيث عن ذكره ، فكيف يصف الحنابلة بهذا الوصف العجيب القبيح ، ويعمم فيهم الاتهام . وكذلك فإن كان هذا حدث من عبد العزيز بن الحارث فإن أهل الحديث لم يقفوا مكتوفي الأيدي أما هذا الحدث الجلل ، بل سطروا محضراً أثبتوا فيه تهمة هذا الرجل ، وهذا كاف لتبرئة ساحتهم ، وإبراء ذمتهم . فكفى منك أيها السقاف طعناً في دواوين السنة وأمهات الكتب .


 

الجزء التاسع والعشرون

نفى السقاف صفة الضحك عن الله عز وجل

و نسبة التأويل إلى الإمام البخاري والرد عليه في ذلك

 

قال السقاف في تعليقه على (( دفع شبه التشبيه ))(ص:179) تعليقاً على ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ? مرفوعاً : (( يضحك الله من رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة )) : ( اعلم أن هذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه ورد عند النسائي (6/38برقم 3165) بلفظ : (( إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه .. )) وإسناده صحيح ، ورواه ابن خزيمة كما في (( الجامع الكبير )) برقم (28615) للحافظ السيوطي ، ومنه تبين أننا لا نستطيع الجزم بواحد من اللفظين ) .

 قلت : وهذا تدليس بين ، وتلبيس واضح . فلفظ الحديث عند النسائي : (( إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقل أحدهما صاحبه )) . وقال مرة أخرى : (( ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ، ثم يدخلان الجنة)). وهذا اللفظ الأخير لم يذكره السقاف لئلا تنكشف حيلته في رد الحديث بهذا اللفظ ، وهذا الحديث رواه بلفظ : (( يضحك )) الإمام مالك في موطئه (2/460) عن أبي الزناد به . ومن طريقه البخاري ومسلم والنسائي . والحديث بالوجهين رواه النسائي ، قال أخبرنا محمد بن المنصور ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة به . وسفيان هو ابن عيينة ، وهو وإن كان دون مالك في التثبت والحفظ ، إلا أنه رواه على وجه يوافق ما رواه مالك ن ولو تفرد مالك بالوجه الأول لرجح لتقدمه في الحفظ والتثبت ، والله أعلم .

وأما الحديث الثاني :الذي رده السقاف المبتدع فهو حديث ابن مسعود ? الذي أخبر في عن النبي عليه السلام ، عن آخر رجل يدخل الجنة ، وضحكه عليه السلام ، فقيل : مم تضحك ؟ فقال : من ضحك رب العالمين حين قال : أتستهزئ مني . قال السقاف (ص: 178) : (وهي عندنا لا تثبت لأن راويها (( حماد بن سلمة )) ، ضعفه مشهور وإن كان من رجال مسلم ، وقد تحايده البخاري كما في (( الميزان )) وقد صح حديثه هذا في مسلم دون الزيادة التي ذكرناها هنا لمتابعة غيره له في الحديثين اللذين قبله في مسلم ، لاسيما والرواة قد اختلفوا في هذا اللفظ أو شكوا هل قال : أتسخر بي أو أتضحك بي كما في مسلم ) .

 قلت : حماد بن سلمة ثقة رضي حافظ ، كما مر بيانه وذكره وهو حافظ مقدم في روايته عن ثابت البناني ، وهذا الحديث عند مسلم من روايته عن ثابت ، عن أنس ، عن ابن مسعود . قال ابن المديني – رحمه الله - : (( لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة )). ومثله عن الإمام أحمد . وقال ابن معين : (( من خالف حماد بن سلمه في ثابت فالقول قول حماد )) . فحديثه هذا حجة ، وقد احتج البخاري بروايته عن ثابت كما مر ذكره وتحقيقه ، خلافاً لما زعمه السقاف . وأما دعوى المخالفة التي ادعاها السقاف فواهية لأن الخبر الثاني الذي أعل به السقاف هذا الحديث من طريق آخر ، عن جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن ابن مسعود . وشك الراوي في اللفظ قد يكون سبباً في إعلال هذا الحرف إذا كان قد تفرد به على الشك ، أما إذا تابعه ثقة أحد اللفظين ، فهذا يدل دلالة قوية على ثبوت اللفظ المتابع عليه .

وبعد :فهذه طريقة أهل الزيغ والضلال في هدم الدين برد الأحاديث الثابتة ، والطعن في أحاديث الصحيحين ، مع أنه يكُثر من تأليب الناس على الشيخ الألباني بدعوى أنه يضعف بعض أحاديث الصحيحين .

وأما ما ادعاه السقاف من نسبة التأويل إلى الإمام البخاري – رحمه الله – وأنه أول الضحك بالرحمة فغير صحيح . قال السقاف (ص:179) : ( قال البيهقي هناك – ( أي في الأسماء والصفات ) - : روى الفربرى عن محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى أنه قال : معنى الضحك في الحديث الرحمة ) .

 قلت : هذا ليس بدليل كاف على إثبات التأويل على الإمام البخاري فأين إسناده إلى الفربرى ، وأين هو من الصحيح ، فالفربرى من رواة الصحيح . ولقد استحضر ابن حجر – وهو منسوب إلى الأشعرية - عدم صحة نسبة هذا القول إلى الإمام البخاري ، فقال : في (( الفتح ))(8/513) : (( لم أر ذلك في النسخ النسخ التي وقعت لنا من البخاري )) . وابن حجر معتبر عند هذا السخاف ، فكيف لم يعرج على قوله هذا ، ويأخذ به كعادته فيما وافق مذهبه ؟!! 


 

الجزء الثلاثون

مراوغة السقاف في الإحتجاج بأحاديث الآحاد

ليرد أحاديث الصفات التى توافق معتقدة

 

وقد سلك السقاف مسلك أهل البدع المعروفين به لرد أحاديث الصفات التي لا توافق معتقداتهم الباطلة ، وذلك عن طريق الطعن في هذه الأحاديث بأنها أحاديث آحاد ، وهي – كما يدعون – ظنية الثبوت ، ويجل الله سبحانه عن أن تثبت له صفة من الصفات بخبر ظني !! .

? وهذه الطريقة كما قال أبو المظفر السمعاني : (( رأس شعب المبتدعة في رد الأخبار )) .

? بل التعبير عن ذلك بالظن واليقين هو من محدثات هؤلاء المبتدعة تدليساً عن إطلاق الأئمة المتقدمين وهو : ( إفادة العلم والعمل ) ، فإنهم لما زأوا أن الأئمة المتبوعين ، وأهل النظر والتحقيق منهم يثبتون ذلك بقولهم أن أحاديث الآحاد تفيد العلم والعمل جميعاً ، أى أنها يقينية الثبوت على إطلاق هؤلاء المبتدعة أرادوا طمس هذا الوصف القديم بالوصف المحدث تمويهاً منهم وتلبيساً ، كما فعل اللفظية حين أطلقوا قولهم البدعي (( لفظنا بالقرآن مخلوق )) بعد أن تصدى لهم أهل السنة فيما ادعوه صراحة من أبي القرآن الكريم مخلوق ، فجنحوا للقول الثاني تمويهاً وتعمية ، وكذلك هم فعلوا في أحاديث الآحاد .
? والذي عليه متقدمو أهل الحديث ، وأهل السنة الجماعية : أن حديث الواحد الصحيح الإسناد بنقل العدل الضابط عن مثله ، إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة يفيد العلم والعمل جميعاً ، أي أنه قطعي الثبوت – كما يعبر عنه
? ونقل ابن عبدالبر في (( التمهيد )) ( 1/8 ) هذا القول عن :
(( قوم كثير من أهل الأثر ، وبعض أهل النظر ، منهم الحسين الكرابيسى وغيره ، وذكر خواز بنداذ أن هذا القول يخرج على مذهب مالك )) .
? وإليه ذهب ابن حزم ، ونه أخذ ، ونقله عن داود الظاهري ، والحارث ابن أسد المحاسبي ، كما في كتابه (( الإحكام في أصول الأحكام )) ( 1 / 115 ) .
? وهو مذهب البخاري والشافعي .
فأما البخاري فأفرد له باباً من أبواب (( صحيحه )) ( 4 / 252 ) فقال : ( باب : ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام ) .
وأورد فيه أخباراً على ما ترجم له .
وأما الشافعي فقال في (( الرسالة )) ( ص401 ) :
(( الحجة في تثبيت خبر الواحد )) .
ثم ساق الأدلة على ذلك .
فلا حجة بعد ذلك فيما نقله ابن عبدالبر من أن الشافعي يذهب إلى إثبات العلم دون العمل لأحاديث الآحاد .
? ونقل أبو القاسم الأصبهاني في كتابه (( الحجة )) ( 2 / 214 ) عن الإمام أبي المظفر السمعاني قوله – في الرد على ما قال بأنه لا يفيد العلم والعمل - :
(( وهذا رأس شغب المبتدعة في رد الأخبار ، وطلب الدليل من النظر والإعتبار فنقول ، وبالله التوفيق :
إن الخبر إذا صح عن رسول الله ? ، ورواه الثقات والأئمة ، وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله ? ، وتلقته الأمة بالقبول : فإنه يوجب وتلقته الأمة بالقبول : فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم .
هذا قول عامة أهل الحديث والمتقنين على السنة ، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ، ولا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به : شيء أخترعه القدرية والمعتزلة ، وكان قصدهم منه رد الأخبار ، وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم علم في العلم وقدم ثابت ، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول ، ولو أنصفت الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم ، فإنهم تراهم مع أختلاف في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد )) .
وقال : (( فإذا قلنا : إن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم ، حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ ، وعلناهم لاغين ، مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً ، ولا ينفعه ، ويصير كأنهم قد دنوا في أمور مالا يجوز ارجوع إليه ، والاعتماد عليه ، وربما يرتقى هذا القول إلى أعظم من هذا ، فإن النبي ? أدى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه ، ليؤدوه إلى الأمة ، ونقلوا عنه ، فإذا لم يقبل قول الراوى لأنه واحد ، رجع هذا العيب إلى المودى ، نعوذ بالله من هذا القول الشنيع ، والاعتقاد القبيح )) .
وأما ما احتج به ذلك الخائب في مقدمته لكتاب ابن الجوزي من فعل بعض الصحابة في رد بعض الأخبار التى رواها غيرهم عن النبي ? فلا تدل بحال من الأحوال على ماذهب إليه من نفي ذلك .

? وإليك الجواب عن كل خبر من هذه الأخبار . قال السقاف ( ص : 33 ) من مقدمة (( دفع شبه التشبيه )) : تحت عنوان : (( رد الصحابة بعض أحاديث الآحاد الثابتة واستيثاقهم منها أحياناً أخرى )) . ( رد السيدة عائشة – رضي الله عنها وأرضاها – على سيدنا عمر – رضوان الله عليه – في حديث (( تعذيب الميت ببكاء أهله )) ) . وقال ( ص : 34 ) : ( ردت السيدة عائشة على من قال أو روى أن سيدنا محمد ? رأى ربه ، وهو ابن عباس – ? - وغيره ) . وقال ( ص : 35 ) : ( وردت السيدة عائشة ? على من قال : (( بال رسول الله ? قائماً )) ) . وذكر عدة أخبار مثلها .

? قلت : هذا لا يفيد بحال من الأحوال أم مارواه غيرها عن النبي ? ظني الثبوت عندها ، وإن ما رأته منه يقيني ، وإنما ردت ما ردت لسبب من الأسباب التالية :
أحدها : أن يكون ما سمعه الصحابي من النبي ? يقتضي العموم ، فيحدث به على هذا الوجه ، فيفيد حكماً شرعياً ، يخالفه ما سمعته هي عن النبي ? مما يفيد الخصوص كما في استدراكها على عمر بن الخطاب ? .
ثانيها : أن يخبر أحد الصحابة بخلاف هديه الظاهر لها ، ويكون هذا الهدي مما اطلعت عليه هي بخلاف ماروى هذا الصحابي ، كما في ردها على من حدث بأن النبي ? بال قائماً .
ثالثهما : أن يخبر أحد الصحابة بحال من أحوال النبي ? مما لم تطلع عليه هي رضي الله عنها – فتسدل عليه بعموم القرآن ، كما ورد في إثبات ابن عباس لرؤية النبي ? لربه ، ونفيها هي ذلك .
وهذا كله لا يثبت بحال من الأحوال أن أقوال الصحابة عندها ظنية الثبوت ولو كان كذلك لكانت أقوالها ظنية عند الصحابة ، ولردوا سنناً كثيرة لم يروها عن النبي ? غيرها ، سواء في العقائد أو في الأحكام .
ثم قال السقاف تعضيداً لكلامه الواهي المتقدم ( ص : 37 ) تحت عنوان : (( خبر الواحد يفيد الظن ولا يفيد العلم عند سيدنا أبي بكر الصديق ? )) : ( قال الحافظ الذهبي في (( تذكرة الحافظ )) ( 1 / 2 ) :
وكان أبو بكرأول من أحتاط في قبول الأخبار فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث ، فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئاً ، وما علمت أن رسول الله ? ذكر لك شيئاً ، ثم سأل الناس ، فقال المغيرة ، فقال : حضرت رسول الله ? يعطيها السدس ، فقال له : هل معك أحد ؟! فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك ، فأنفذه أبو بكر ? ) .
ثم قال السقاف في الحاشية عقب تخريج الحديث .
( وهو صحيح ) .
قلت : كذا قال ، وهو إما جهل بهذا العلم ، أو تجاهل وتدليس ، فإن هذا السند ضعيف لأنقطاعه ، فإ، قبيصة لا يصح سماعه من أبي بكر ، وكذا يستبعد أن يكون قد أدرك هذه الواقعة .
وقد استظهر الحافظ هذه العلة ، فقال :
(( إسناده صحيح لثقة رجاله ، وإلا أن صورته المرسل ، فإن قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ، ولا يمكن شهوده القصة ، قاله ابن عبدالبر ، وقد أعله عبدالحق تبعاً لأبن حزم بالإنقطاع )) .
فهذا الخبر لا يدل على ماذكر لضعفه ، ولو صح فإنه لا يفيد الظن عنده وإنما هو من باب التثبت ، ولا يستطيع أحد أن يجزم برد الصديق لهذه السنة لو تفرد بروايتها المغيرة ، ولم يتابعه عليها أحد من الصحابة ، وكما يكثر السقاف من القول :
(( متى طرأ الاحتمال سقط الاستدلال )) .
ثم ، لو صح هذا الخبر ، فهل رواية الاثنين التواتر وتحقه كما أدعي هذا السخاف ؟!! .
وكذلك ، فهذه الأخبار واردة في الأحكام ، وليست في العقائد ، فهذا يلزم منه أيضاً أن لا نتعبد الله تعالى بشيء من الأخبار الآحاد ، وإنما يلزم أن نتعبده بالمتواتر ، فإن قال : نعم ، فقد خالف إجماع الأمة وخالف نفسه ، وإن قال : لا ، ردت عليه حجته ، وألزم بها .
ثم قال السقاف ( ص : 38 ) تحت عنوان : (( خبر الواحد يفيد الظن دون العلم عند سيدنا عمر ? أيضاً )) :
ثم ذكر ما رواه مسلم من واقعته مع ابي موسى الأشعري في الانصراف إذا لم يؤذن له في الثالثة ، وما رواه أبو موسى في ذلك عن النبي ? ،وكيف توعده عمر إذا لم يأت بمن يعضده ممن سمع نفس الحديث من الصحابة .
وليس في هذا غلا التثبت ، لأن عمر – ? - قد وقع معه خلاف ما سمع ، فأراد أن يرجع الصواب بالكثرة لتساوي المتعارضين في العدد .
قال الترمذي عقب إخراج هذا الحديث في (( الجامع )) ( 5 / 54 ) :
(( وإنما أنكر عمر عندنا على أبي موسى حيث روى عن النبي ? أنه قال : الاستئذان ثلاث ، فإذا أذن لك وإلا فارجع ، وقد كان عمر استأذن على النبي ? ثلاثاً فأذن له ، ولم يكن علم هذا الذي رواه أبو موسى عن النبي ? أنه قال : فإن أذن لك فإلا فارجع )) .
فالذي دفع عمر الإنكار الزيادة الأخيرة التي تخالف ماوقع له مع النبي ? ، وكذلك فللترهيب من التساهل في الرواية ، والحث على الاحتياط فيها .
قال الخطيب البغدادي – رحمه الله – في (( شرف أصحاب الحديث )) ( ص : 92 – 93 ) :
(( لم يطلب عمر من أبي موسى رجلاً يشهد معه هذا الحديث لأنه كان لا يرى قبول خبر الواحد العدل !! وكيف يقول ذلك ، وهو يقبل رواية عبدالرحمن بن عوف عن النبي ? في أخذ الجزية من المجوس ، ويعمل به ، ولم يروه غير عبدالرحمن ، وكذلك حديث الضحاك بن سفيان الكلابي في توريث أمرأة اشيم الضبابي من دية زوجها ، ولا فعل عمر ذلك لأنه كان يتهم أبا موسى في روايته ، لكن فعله على الوجه الذي بيناه من الاحتياط لحفظ السنن والترهيب في الرواية )) .
ثم قال السقاف ( ص : 39 ) تحت عنوان : (( خبر الواحد ينبغي التثبيت منه ولو كان راويه صحابياً ، ويفيد الظن عند الإمام علي ? )) :
( روى الإمام أحمد في (( المسند )) ( 1 / 10 ) بإسناد صحيح عن اسماء بن الحكم الفزاري ، قال سمعت علياً قال : كنت إذا سمعت من رسول الله ? حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيري عنه استخلفه ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر …. فذكر حديثاً مرفوعاً ) .
قال السقاف :
( لو كان خبر الواحد بفيد العلم ولا يفيد الظن لاكتفى سيدنا علي عليه السلام و ? الله عنه بسماع خبر الواحد ، ولما استخلفه ، لأنه باستخلافه يؤكد خبره ، أو يصرح الراوي بأنه غير متأكد من الخبر ….. ) .
? قلت : وقبل أن أجيب عن كلامه الواهي هذا ، أفطن القارئ الكريم وأنبهه إلى ذلك الحقد الشيعي ، بل الرافضي الخبيث الذي يكنه هذا المتهالك لجماعة صحابة رسول الله ? ، لا سيما معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص – ? - .
فأنظر إلى قوله الخبيث : (( خبر الواحد ينبغي التثبيت منه ولو كان راويه صحابياً ، ويفيد عند الإمام علي ? )) .
فهذا يحمل في طياته في عدالة الصحابة وحفظهم وأمانتهم ، فمن سلف هذا الطعان في البحث عن أحوال الصحابة وسبر مارووه عن النبي ? إلا الروافض الخبثاء ، وغلاة الشيعة اللئام .

? والجواب عن هذا الدليل الذي ذكره من وجهتين :
الأول : أن هذا الخبر مما استنكره ائمة الشأن كالبخاري والعقيلي ، ومن المتأخرين الحافظ ابن حجر.
فأما الإمام البخاري فأشار إلى إنكارته فقال في (( التاريخ الكبير )) ( 2 / 1 /54) : (( لم يتابع عليه ، وقد روي أصحاب النبي ? ، بعضهم عن بعض فلم يحلف بعضهم بعضاً )) .
وأما العقيلي ، فنقل في (( الضعفاء )) ( 1 / 107 ) كلام شيخه السابق ، ثم قال : (( وحدثني عبدالله بن الحسن ، وعن علي بن المديني ، قال : قد روى عثمان بن المغيرة أحاديث منكرة من حديث ابي عوانة )) .
كذا في الضعفاء ، والصواب : ( من حديث علي بن ربيعة ) كما في (( التهذيب )) .
قلت : لأن هذا الخبر من رواية عثمان بن المغيرة ، عن علي بن ربيعة الوالبي ، عن أسماء بن الحكم ، عن علي به .
وقد حاول الحافظ المزي أن يدافع عن هذا الخبر بمتابعات عدة ، فتعقبه الحافظ ابن الحجر في (( التهذيب )) ( 1 / 235 ) بقوله :
(( المتابعات التى ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئاً لأنها ضعيفة جداً )) .

? قلت : وأسماء هذا لم يوثقه إلا العجلي وهو متساهل ، وأما البزار ، فقال : (( مجهول )) ، واستنكاره الأئمة لحديثه مما يوهن حاله ، خصوصاً إذا كان مقلاً جداً من الرواية .
والثاني : أنه لو صح هذا الحديث فليس بدليل على ما بوب له السقاف ، فإن الاستحلاف لا يفيد اليقين ، ولا يصح بأي حال من الأحوال أن يعدل بالمتابعة وتكثير الطرق ، وإنما الاستحلاف للترهيب من الرواية ، والتشديد على من تساهل فيها ، ثم إن علياً ? قبل الرواية من أبي بكر الصديق ? ولم يستحلفه ، فهذا خارم لما ادعاه السقاف ، وكذب السقاف فيما ادعاه .

? وأخيراً : أقول للسقاف رداً على ما ادعاه من أن الآثار المتقدمة تفيد الحكم بالظن عند الصحابة على أحاديث الآحاد : إن معظم هذه الآثار التى توقف فيها الصحابة – على حد زعمك الواهي عن قبولها ، لأنها من طريق الآحاد هي ما وردت في العبادات والأحكام ، لا في أبواب الاعتقاد ، فيلزمك على هذا أن ترد أخبار الآحاد أيضاً في أبواب الأحكام والعبادات ، لا في أبواب الصفات والعقائد ، وهذا يخالف ماذكرته من أن الآحاد إنما يحتج بها في الأحكام دون العقائد !! .