لماذا تفشل الفلسفة في تفسير الله

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه .

أما بعد ..

من أوتي بصيرة في كتاب الله لم يحتج في مناقشة أهل الضلال إلى علم الكلام ، ومنطق اليونان ، وعلم الفلسفة ، ففي كتاب الله غنى ، كيف لا ، وهو كتاب الله الذي وضّح الدلائل ، وبين المسائل ، ونفى الضلال والباطل ؟! وإذا قصر الناس في الاستدلال من القرآن وطلبوا الحجة من غيره ، فلقصور في عقولهم ، وضعف في بصائرهم . لكن لماذا يفشل العلم البحت (أي الفلسفة) في تفسير وجود الله "زعما أنهم حكماء، أصبحوا مغفلين…"؟ دعني أشرح مشكلة العلم (البحت) مع الله.

البروفيسور الملحد لمادة الفلسفة يقف أمام صفه و يطلب من أحد الطلاب الوقوف.

-"أنت مسلم، أليس كذلك يا ابني؟"
-"نعم، سيدي"
-"إذا أنت تؤمن بالله"
-"بكل تأكيد"
-"هل الله طيب؟"
-"بالطيع أن الله طيب"
-"هل الله قادر على كل شيء؟ هل يستطيع فعل أي شيء؟"
-"نعم"
-"دعنا نفترض أنه يوجد شخص مريض هنا و أنت تستطيع علاجه. هل تعالجه؟ هل تحاول علاجه؟"
-"نعم سيدي، أفعل ذلك"
"إذا أنت طيب…!"
"أنا لا أجرؤ أن أقول ذلك"
"و لما لا تقول ذلك؟ أنت ستساعد شخصا مريضا إن استطعت…في الواقع معظمنا سيفعل ذلك لو استطعنا…لكن الله لا يفعل ذلك!"
-لا إجابة
-"إنه لا يفعل ذلك (أي لا يعالج)، أليس كذلك؟ لقد كان أخي مسلما و مات من مرض السرطان مع أنه كان يدعو الله ليشفيه. فكيف يكون الله طيبا؟
مممممم؟ هل تستطيع أن تجيبني على ذلك؟"
- لا إجابة
-الرجل الكبير (البروفيسور) يتعاطف رأفة:"لا، لا تستطيع أن تجيبني، أليس كذلك؟"
يشرب كأسا من الماء كانت على مكتبه ليعطي الطالب مهلة للراحة.
تعليق: (ففي الفلسفة، يجب أن تكون لينا و سهلا مع الجدد)
-"فلنبدأ من جديد يا صاحبي اليافع"
-"هل الله طيب؟"
-"إيييييه…نعم"
-"هل الشيطان طيب؟"
-"كلا"
-"من أين أتى الشيطان؟"
-الطالب يترنح متلعثما:" من…عند الله…"
"هذا صحيح. الله هو الذي خلق الشيطان، ألم يفعل ذلك؟" الرجل الكبير (البروفيسور) يدخل أصابعه من خلال شعره و يستدير إلى جمهور الطلاب المبتسمين تصنعا:
-"سيداتي، سادتي: أظن أننا سوف نستمتع كثيرا في هذا الفصل"
ثم يستدير نحو المسلم:
-" أخبرني يا ابني: هل هنالك شر في هذا العالم؟"
-"نعم، سيدي"
-"الشر منتشر في كل مكان، أليس كذلك؟ ألم يخلق الله كل شيء ؟"
-"نعم"
-"من الذي خلق الشر؟"
-لا إجابة
-"هل توجد أمراض في العالم؟ فساد؟ كراهية؟ بشاعة؟ كل الأمور الفظيعة – هل هي موجودة في هذا العالم؟"
-الطالب يلوي قدميه مرتبكا:"نعم"
-" من الذي خلقها جميعا؟"
-لا إجابة
البروفيسور يصيح فجأة في وجه الطالب:" من الذي خلقها؟ أجبني لو سمحت!"
البروفيسور يقترب من الانقضاض على فريسته و يعلو على وجه المسلم.
و بصوت منخفض و ساكن يقول:
-" الله هو الذي خلق كل الشر، أليس كذلك يا ابني؟"
-لا إجابة
الطالب يحاول المحافظة على حذاقته الخبيرة و الثابتة، لكنه يفشل في ذلك. و فجأة يبدأ المدرس بالتحرك نحو مقدمة الصف مثل الفهد المخضرم. فيُسحر جميع من في الصف.
-" قل لي" يتابع البروفيسور، "كيف يكون الله طيبا و هو قد خلق كل الشر طيلة مدة هذا الزمن؟"

يقوم البروفيسور بتطويق ذراعه من حوله مشيرا إلى سعة انتشار و إحاطة الشر في العالم:
-"كل الكراهية، الوحشية، كل الآلام، كل التعذيب، الموت و البشاعة و كل المعاناة المخلوقة بواسطة هذا الإله، كل هذا منتشر في العالم، أليس كذلك أيها الشاب؟"
-لا إجابة
-"ألا ترى ذلك منتشرا من حولك؟ ها؟" ثم يسكن للحظة:"ألا ترى ذلك؟"
البروفيسور يقوم بالتنحي نحو وجه الطالب ثانية و يهمس إليه:
-"هل الله طيب؟"
-لا إجابة
-"هل تؤمن بالله يا ابني؟"
-" نعم أيها البروفيسور، أنا أؤمن به"
الرجل الكبير يحرك رأسه بحزن:
-"العلم يقول أن لك خمسة حواس تستعملها لتتعرف و تلاحظ العالم من حولك. فهل رأيت الله؟"
-"كلا يا سيدي، لم أراه أبدا"
-"إذا أخبرنا إن كنت قد سمعته من قبل؟"
-"كلا يا سيدي، لم أسمعه"
-"هل لامست الله، تذوقته أو شممته؟…بل هل لديك أي إدراك حسي لربك؟"
-لا إجابة
-"أجبني لو سمحت"
-"كلا يا سيدي، أقول لك متأسفا أنه لا يوجد لدي ذلك"
-"أنت تقول متأسفا أنه ليس ليدك ذلك…أليس كذلك؟"
-"لا يا سيدي (ليس لدي)"
-"لكنك لا زلت تؤمن به؟"
-"…نعم…"
-"هذا يتطلب إيمان!" يعلق البروفيسور بابتسامة حكيمة نحو الخاضع له.
-" وفقاً للقوانين التجريبية، و البروتوكولات الإثباتية المجربة، فإن العلم يقول بأن إلهك غير موجود. ماذا تقول بشان هذا الكلام يا ابني؟ أين ربك الآن؟"
الطالب لا يجيب.
-" إجلس لو سمحت" و يجلس الطالب المسلم…مهزوما.

ثم يرفع مسلم آخر يده:" أيها الروفيسور، هل لي أن أخاطب الصف؟"
البروفيسور يستدير و يبتسم:
-"آه، مسلم آخر في الطليعة! تعال، تعال أيها الشاب. تكلم بشيء من الحكمة للحضور"
يلتفت المسلم حول الصف ثم يعلق:
-" لقد أثرت بعض النقاط المثيرة يا سيدي. و الآن لدي سؤال لك. هل يوجد شيء في هذا العالم يسمى بالحرارة؟"
-" نعم" يجيب البروفيسور…"الحرارة موجودة"
-" هل يوجد شيء يسمى بالبرودة؟"
-" نعم يا ابني البرودة موجودة أيضا"
-"كلا يا سيدي، إنها غير موجودة"
البروفيسور يتجمد مبتسما للحظة. فيبرد جو الغرفة فجأة. ثم يتابع هذا المسلم الثاني:
-" يمكنك ان تحصل على الكثير من الحرارة، ثم حرارة أعلى، فحرارة فائقة، فحرارة فوق الفائقة، و حرارة معتدلة، فحرارة قليلة أو حرارة معدومة، و لكن لا يمكننا أن نحصل على شيء يسمى بالبرودة. نستطيع أن نصل إلى 458 درجة تحت الصفر، و يكون هذا حال انعدام السخونة، لكننا لا نستطيع الوصول إلى أدنى من ذلك. لا يوجد شيء يسمى بالبرودة، و إلا لاستطعنا أن نتعدى حاجز الـ 458 درجة تحت الصفر. فالبرودة يا سيدي، عبارة عن كلمة نستخدمها للتعبير عن انعدام السخونة. نحن لا نستطيع أن نقيس البرودة، بينما الحرارة نستطيع أن نقيسها بالوحدات الحرارية لأن الحرارة عبارة عن طاقة. البرودة ليست كذلك، فالبرودة ليست عكس الحرارة يا سيدي، إنما هي تعبير عن انعدام السخونة"
يحل سكون دامس. ثم تقع إبرة في مكان ما في الصف…
-"هل يوجد شيء يدعى بالظلمة يا بروفيسور؟"
-"هذا سؤال سخيف يا ابني، فماذا يكون الليل إن لم يكن هو الظلمة؟ ما الذي ترمي إليه…؟"
-" إذا أنت تقول بأنه يوجد شيء يسمى بالظلمة؟"
-"بلى…"
-" لقد أخطأت ثانية يا سيدي. إن الظلمة ليست بشيء، بل هي انعدام شيء. تستطيع أن تحصل على ضوء خافت، ضوء معتدل،ضوء منير، ضوء وهاج، لكنك إن لم تحصل على ضوء مستمر، انعدم لديك ذلك (أي الضوء) فيعبر عن ذلك بالظلمة، أليس كذلك؟ هذا هو المعنى الذي نستخدمه لتعريف الكلمة. في الحقيقة، لا يوجد شيء يدعى بالظلمة. إذ لو كان موجودا لكنت تستطيع أن تحصل على ظلام أكثر ظلمة و تعطيني إناء مليء بالظلمة. هل تستطيع أن تعطيني إناء مليء بالظلمة يا بروفيسور؟"

رغما عن أنفه، يبتسم البروفيسور من الشاب المواجه له: "بالفعل سيكون هذا الفصل فصلا ممتعا. هل لك أن تبين وجهة نظرك، إن لم يكن عندك مانع أيها الشاب؟"
-" نعم يا بروفيسور. وجهة نظري هي: أن مقدمتك المنطقية الفلسفية لا تصلح منذ البداية، و بالتالي فإن استنتاجاتك تؤول للخطأ…"
البروفيسور يجن جنونه:" لا تصلح…؟ كيف تجرؤ على قول ذلك…؟"
-"يا سيدي، هل لي أن أشرح ما أعنيه؟"
الصف كله ينصت يسترق السمع.
-يحاول البروفيسور بكل جهده أن يستعيد السيطرة:"إشرح…رجاء، إشرح…"
فجأة و إذ به كأنه التواضع بنفسه. يلوح بيده ليسكت الصف، حتى يتابع الطالب كلامه.
-"أنت تستخدم منطق الازدواجية (الثنائية)"… يشرح الطالب المسلم…" فمثلا يوجد حياة و في المقابل يوجد الموت؛ يوجد إله طيب و إله شرير. أنت تنظر إلى مفهوم الإله بأنه شيء محدود، شيء يمكننا قياسه. يا سيدي، إن العلم لا يمكنه حتى أن يفسر ((الفكرة)). فهو (أي العلم) يستخدم الكهرباء و المجال المغناطيسي (في التحليل) لكنه لا يستطيع أن يرى هذه الأمور (الفكرة، الموت، الشر…) بل و لا يستطيع أن يفهما بشكل كامل. إن النظر إلى الموت على أنه عكس الحياة، هو عبارة عن تجاهل لحقيقة أن الموت لا يمكن أن يقاس كشيء مادي. فالموت ليس معاكس للحياة، إنما هو انعدام الحياة."
يأخذ الشاب صحيفة من على مكتب الطالب المجاور الذي كان يقرأ بها.
-"ها هي أحد الجرائد الصغيرة المثيرة للاشمئزاز في هذا البلد. يا بروفيسور، هل يوجد شيء اسمه الفسوق (الفساد الأخلاقي)؟"
-" بالطبع يوجد، الآن انتبه…" (فيقاطع الطالب البروفيسور):
-"أخطأت ثانية يا سيدي. فكما ترى، أن الفسوق هو عبارة عن انعدام الأخلاق. هل يوجد شيء يسمى بالجور (الظلم)؟ كلا. فالجور هو انعدام العدالة (الإنصاف). فهل يوجد شيء يسمى الشر؟"
-ثم يسكن المسلم للحظة:" أليس الشر هو انعدام الخير (الطيبة)؟"
وجه البروفيسور قد تغير إلى لون خطير. هو في حالة غضب شديدة لدرجة انه لا يستطيع الكلام.
-ثم يتابع المسلم:"يا بروفيسور، لو كان هنالك شر في العالم، و نحن جميعا متفقون على ذلك، إذا فالله، إن كان موجوداً، يجب أن يكون في حالة إنجاز عمل من خلال وكالة الشر. ما هو هذا العمل الذي ينجزه الله؟ إن الله تبارك و تعالى يقول عن الإنسان في القرآن: ((إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا))"

-البروفيسور يلجم:"كعالم للفلسفة، أنا لا أرى أن هذا الأمر له أي علاقة بالخيار؛ كإنسان واقعي، فأنا لا أعترف بمفهوم الإله أو أي عامل لاهوتي (إلهي) ككونه أنه يدخل في تكوين المعادلة الكونية (العالمية) لأن الله لا يمكن ملاحظته (إحساسه)"
-فيرج عليه المسلم:"لقد كنت أتوقع أن غياب (انعدام) دستور الله الأخلاقي في هذا العالم (الكون) هو من أحد الظواهر المحسوسة (الملاحظة) التي تجري" (ثم يتابع):
"فالصحف تجني الملايين من الدولارات في كل أسبوع بروايتها لتقارير في ذلك (أي في ظواهر الفسوق المحسوسة الناتجة عن انعدام الدستور الأخلاقي لله). أخبرني يا بروفيسور، هل تعلم طلابك أنهم تطوروا من القرد؟"
-" إن كنت تقصد عملية التطور الطبيعية أيها الشاب، فالجواب: نعم بالطبع أدرسها لهم."
-"هل أدركت التطور الطبيعي (أحسسته) بعينيك شخصيا يا سيدي؟"
البروفيسور يصدر صوت مص (شفط) بأسنانه و ينظر يحدق في طالبه ساكنا.
" أيها البروفيسور، بما أنه لم يدرك أحد عملية التطور الطبيعي و هي تعمل عملها، و لا يمكن لأحد حتى إثبات أن هذه العملية مستمرة، ألست بذلك تدرس رأيك الشخصي للطلبة يا سيدي؟"
-يرد البروفيسور بصوت مستاء منخفض "سوف أتجاهل وقاحتك في ضوء مناقشتنا الفلسفية هذه. و الآن، هل قاربت على الانتهاء؟"
-" إذاً أنت لا تقبل دستور الله الأخلاقي أن يفعل ما هو صالح (حق)؟"
-"أنا أؤمن بما هو (واقع) – أي العلم!"
-"آه! العلم!" يرد الطالب و قد ارتسمت ابتسامة على وجهه (ثم يتابع):
"سيدي، أنت تعلن بصراحة أن العلم هو: دراسة الظواهر المحسوسة (المستدركة). إن العلم أيضا مقدمة منطقية لا يصح…"
-يرد البروفيسور بدمدمة "تقول أن العلم لا يصح (لا يصلح)…!؟" ثم يسمع للصف ضجة. يبقى الطالب المسلم واقفا حتى تخمد الفوضى.
-"لإكمال النقطة التي كنت تثيرها للطالب الآخر (المسلم الأول)، هل لي أن أعطيك مثالاً عما أقصد؟"
البروفيسور بحكمته يبقى صامتا. ثم ينظر المسلم من حوله إلى الغرفة:
-"هل يوجد أحد في الصف قد رأى عقل البروفيسور؟"
ينفجر الصف بالضحك. و يشير المسلم إلى معلمه الأكبر سنا و المكسور.
"هل يوجد أحد هنا قد سمع عقل البروفيسور…أحس عقل البروفيسور، لامس أو حتى اشتم عقل البروفيسور؟"
-"لا يبدو أن أحدا قد أحس ذلك" يعلق المسلم و هو يهز برأسه بشكل حزين.
"يبدو أنه لا يوجد أحد هنا له إدراك حسي لعقل البروفيسور على الاطلاق. حسناً، وفقاً للقوانين التجريبية، و البروتوكولات الإثباتية المجربة، و وفقاً للعلم فإني أعلن أن البروفيسور ليس له عقل."
الصف تعمه الفوضى. المسلم يجلس…لأن هذا ما صنع الكرسي من أجله!