كيف تناقش مبتدعاً

مناقشة المبتدع عموما ليس عسيرا. فإن المبتدع مفتر على الله تعالى، مدع أن الدين لم يكمل، وأنه ببدعته يكلمه، ويمكن ضرب مثل للمبتدع به تنقطع حجته ويسقط دليله، وهذا المثل هو:

أن المريض إذا ذهب إلى الطبيب يشكو إليه داء، فإن الطبيب بعد أن يشخص الداء يصف الدواء، ويوصيه بأن يتناول الدواء بحسب وصفة معينة... في الصباح مرة، وفي المساء مرة.. وهذا يشربه، وذلك يبلعه، وثالث يأخذه في الوريد. ولا تجد المريض مهما بلغ حمقه معترضا على الطبيب فيما وصفه له، ولا تجد عاقلا يقول: لم لا أتبع طريقة أخرى، فبدل أن آخذ الدواء كل صباح ومساء، آخذه مرة واحدة، وبدل أن أكتفي بهذا النوع أزيد أنواعا أخرى.. وغير ذلك مما يمجه العقل. لا أحد من المرضى ولا من الناس يقول مثل ذلك، لماذا؟. لأن الكل يسلم للطبيب تخصصه، ويعلم أنه بدراسته وتجربته أعرف بطرق العلاج.

هذا التسليم من الناس جميعا للطبيب لا نجد مثله منهم تجاه طبيب القلوب ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ فتجد كل من هب ودب يفتري ويقول: لم لا أزيد هذه العبادة؟، لم لا أخترع هذه العبادة؟، أليست كلها قربى إلى الله؟.
فقل لمثل هذا: لم لا تترك دواء الطبيب وتتناول دواء آخر؟، لم لا تزيد على الدواء نوعا آخر؟، لم لا تتناول الدواء مرة واحد؟
لن يفعل من ذلك شيئا، إنه يرى الطبيب أدرى بما وصف، ونحن نرى أن الرسول أدرى بما شرع بإذن الله تعالى.
بل مثال الشرع أعظم من مثال الطب، فإن الطبيب قد يخطئ لأن علمه من تعلمه وتجربته، لكن الرسول لا يخطئ أبدا، لأن علمه وحي من الله تعالى.
فإذا كنا نسلم للطبيب غاية التسليم ولا ننازعه، فالأولى والأحرى كذلك أن نسلم للشارع فلا نزيد في العبادة من غير إذنه.
إذ لو كان الأمر متروكا لكل أحد أن يشرع ما شاء ويخترع ما شاء، فما حاجة إرسال الرسل؟.
إن الرسل ما أتوا إلا ليعلمونا الطريق بالتفصيل، ومن يبتدع فهو مستغن عن هداية الرسل.

وخبر ابن مسعود رضي الله عنه وهو موجود في سنن الدارمي أبرز مثال لإنكار السلف لمثل هذه المحدثات. روى الإمام الدارمي في سننه (بإسناد حسن بطرقه) أن أبا موسى الأشعري قال لابن مسعود:
"يا أبا عبد الرحمن! إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر ـ والحمد الله ـ إلا خيرا..
قال: فما هو؟..
فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مئة.
قال: فماذا قلت لهم؟
قال: ما قلت لهم شيئا، انتظار رأيك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم.
ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال:
ما هذا الذي أراكم تصنعون؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يُضيّع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة.
قالوا: يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا خيرا.
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، و أيم الله، ما أدري، لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوراج".

فهل يبقى بعد حجة لمبتدع؟