1. أبو بكر
الصديق: خير هذه الأمة بعد نبيها:
لقد زكّى الله صحابة الرسول عموماً و المهاجرين و
الأنصار خاصة وأشار إلى بعضهم مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي نصّ القرآن
صراحة أن الله معه :
إِلاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (40) التوبة
فمن يكون أفضل من اثنين الله ثالثهما ؟ وهل يكون أحد
أفضل من أبي بكر إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فما من أحد يعادي أبا بكر الصديق
إلا كان عدواً لله ، فقد نص القرآن أن الله مع أبي بكر، كما أخبره الرسول صلى الله عليه و سلم بالغار، و وصفه الله أنه صاحب
رسول الله، و قد أجمع السنة و الشيعة و الخوارج على أن أبو بكر هو صاحب رسول
الله (صلى الله عليه و سلم) في الغار. و لم ينل أحد هذا الفضل إلا أبو بكر الصديق
رضي الله عنه.
و من أفضال أبو بكر أن رسول الله (صلى الله عليه و سلم)
قد جعله أميراً للحج. قال بن القيّم:
ثم أقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد رجوعه من تبوك -بقيّة رمضان و شوّال و
ذي القعدة- ثم بعث أبا بكر رضي الله عنه أميراُ على الحج ليقيم للناس حجهم. و أهل
الشرك على دينهم و منازلهم من حجهم. فخرج أبو بكر في ثلاثمائة من المدينة. و بعث
رسول الله (صلى الله عليه و سلم) بعشرين بدنة. قلّدها و أشعرها بيده، ثم نزلت سورة
"براءة" في نقض ما بين رسول الله (صلى الله عليه و سلم) و بين المشركين
من العهد الذي كانوا عليه، فأرسل بها علي بن أبي طالب على ناقته العضباء، ليقرأ
"براءة" على الناس. و ينبذ إلى كل ذي عهد عهده, فلمّـا لقي أبا بكر قال
له: "أمير, أو مأمور؟ فقال علي: بل مأمور", فلمّـا كان يوم النحر قام
علي بن أبي طالب، فقال: يا أيها الناس! لا يدخل الجنة كافر, و لا يحج بعد العام
مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان. و من كان له عهد عند رسول الله (صلّى الله عليه و
سلّم) فهو إلى مدّته.
زاد المعاد (1 / 186).
و بعد ذلك، و في آخر أيّـامه صلّى الله عليه و سلّم
عندما مرض يأمر أبا بكر ليصلّي بالناس بدلاُ عنه صلّى الله عليه و سلّم و علي و
العبّاس رضي الله عنهما كانا حاضرين.
و إن كان أحد قد توهم أن نص القرآن بفضل أبي بكر و ما
ذكرناه من إمامة أبو بكر (رضي الله عنه) لا علاقة له بأحقيته في الخلافة، فإن علي
(رضي الله عنه) قد تكفل في الرد على هذا الزعم. فقد قال علي (رضي الله عنه) عن
الخلافة في كتاب نهج البلاغة و هو أصدق الكتب عند الشيعة:
(((( و إنا لنرى أبا بكر أحق بها - أي بالخلافة - إنه لصاحب الغار. و إنا
لنعرف سنه. و لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة خلفه و هو حي )))). نهج البلاغة، تحقيق العالم الشيعي
الشريف الرضي 1 / 132
و يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) و هو يذكر بيعته
لأبي بكر ((... فمشيت عنـد ذلك إلى أبـي بكر فبـايعته و نهضت في تلك الأحداث
حتى زاغ الباطل و زهق و كانت ( كلمة الله هي العليا و لو كره الكافرون ) فتولى أبو
بكر تلك الأمور فيسر و سدد و قارب و اقتصد فصحبته مناصحاً و أطعته فيما أطاع الله
فيه جاهداً )). الغارات للثقفي
(2 / 305).
و يقول عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((
لله بلاء فلان فقد
قوم الأود، و داوى العمد، خلف الفتنة و أقام السنة، ذهب نقي الثوب قليل العيب،
أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة
لا يهتدي فيها الضال ولا يستيقن المهتدي )). نهج البلاغة ص (509).
و انظر شهادة الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه في فضل أبو بكر الصديق رضي
الله عنه عن سائر صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم. و انظر أيضاً إلى محبة
أهل البيت (الذين يدعي الشيعة الإنتماء لهم) لأبو بكر الصديق رضي الله عنه.
2. أم المؤمنين
عائشة: أحب الناس إلى رسول الله:
لقد زكّى الله أزواج النبي وعلى رأسهن عائشة بنت أبي
بكر، و برأها في سورة النور من حديث الإفك، و جعلها الله وبقية أزواج النبي أمهات
للمؤمنين، فمن كان مؤمناً فإن عائشة أمّه، و لا ينال منها إلا من أعلن أنّ التي
سمّاها الله ( أم المؤمنين) ليست أمّه ، وبذلك فهو يعلن أنه ليس من المؤمنين.
النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ (6) الأحزاب
ستحمل عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها لقب ( أم
المؤمنين) إلى يوم القيامة رغماً عن كل راغم، فمن لم يعجبه كلام الله ، فليمت في
غيظه ، ولن يعالج مرضه سوى الكيّ بنار جهنم.
و من أحسن من أم
المؤمنين عائشة (ر) و هي أرجح نساء رسول الله (ص) عقلاً و أفقههم ديناً و
أحبَّهنَّ إليه؟ أخرج البخاري: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ
إِلاَ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ.
و أخرج أيضاً: أن
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ فَضْلُ
عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَام.
و أخرج مسلم في صحيحه: عَنْ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ
أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ
مِنَ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ
ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالاً.
3. صحابة رسول
الله من المهاجرين و الأنصار:
زكّى الله صحابة الرسول عموماً ورضي عنهم :
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم
تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك
مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه
يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة
وأجرا عظيما (29) الفتح
فمن أغاظه الصحابة ، فليراجع دينه ، فالآية صريحة و
واضحة.
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها
أبدا ذلك الفوز العظيم (100) التوبة
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم
ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18) الفتح.
و الصحابة كانو ألفاً و أربعمئة. و الرضا من الله صفة
قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أن يوافيه على موجبات الرضا -و من رضي الله عنه لم
يسخط عليه أبداً- فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة، و إن كان
رضاه عنه بعد إيمانه و عمله الصالح؛ فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه و المدح
له. فلو علم أنه يتعقب ذلك بما سخط الرب لم يكن من أهل ذلك. فمن أخبرنا الله عز
وجل أنه علم ما في قلوبهم، و رضي عنهم، و أنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف
في أمرهم أو الشك فيهم البتة. و عن عمرو عن جابر قال : كنا يوم الحديبية ألفاً
وأربعمائة فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : (( انتم اليوم خير أهل الأرض )).
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين
اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم
رءوف رحيم (117) التوبة
لا يختلف اثنان أن كبار الصحابة أمثال الخلفاء الراشدين
والمهاجرين والأنصار ، أنهم أول من شملتهم هذه الآيات الكريمة، فضلاً عن بقية
الصحابة و عددهم ثلاثين ألفاً. فالسابقون الأولون مشهورون و معروفة أسمائهم و لا
يجهلهم أحد على مستوى العالم بأسره، وقد نصّ القرآن أن الله قد رضي عنهم وبشرهم
بالجنة، فكيف نترك كلام الله و نسمع لمن في قلبه مرض ، الذي يريدنا أن نبغض من أحبهم
الله ؟ هل بلغ بنا الغباء أن نسجُر أنفسنا بنار جهنم فنعادي ونحارب من أحبهم الله.
وهذه آيات عامة تزكي المهاجرين والأنصار وصحابة رسول
الله عموماً:
والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر
إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (9) الحشر
للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم
يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (8) الحشر
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله
أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم (218) البقرة
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو
أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا
وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند
الله والله عنده حسن الثواب (195) آل عمران
والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا
ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم (74) الأنفال
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم
وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون (20) التوبة
يجب أن نحب ونقتدي بمن أحبه الله وأنزل به سلطاناً في
كتابه العظيم، ولكن لا نعبدهم وندعوهم من دون الله.فأولياء الله يفترض أن يأمرونا
بعبادة الله لا بعبادتهم هم .فالجاهل يظن أنه إن عبد وليـّاً لله فسوف يرضى الله
عنه. والجاهل يظن أنه لو دعا وليـّاً لله لاستجاب الله له. و لو علم هذا الجاهل
أنه بفعله يحرم نفسه من رحمة الله وعفوه إلى الأبد ما دعا من دون الله أحداً.
ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم
يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب
وبما كنتم تدرسون (79) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم
بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80) آل عمران
النبي لا يدعو الناس لعبادته أو لعبادة الملائكة و لكن
لعبادة الله. فإذا لم يأمرنا النبي بعبادته أو عبادة الملائكة فكيف نعبد من هم أقل
منه وأقل من الملائكة ، كالصالحين والأئمة وغيرهم من الناس ؟